الطرد والإِبلاس، كما ابتَليت آدم، ثمّ تداركتَه؟ وكيف أمرتني بالسجود، مع علمك أني لا أسجد؟ وتركُ الأمر كان أصلحَ لي. وحيث أمرتني، فعصيتُ، كيف سلطتَني على آدم؟ ولو عصمته مني، كان أصلحَ له ولي. وحيث سّلطتّني عليه، فكيف أنظَرتَني وسلطتَني على عقبه؟ وقد كان إِلاكي قبل ذلك أصلحَ لهم ولي. وحيث أنظرتَني وسلّطتّني عليهم، فكيف جعلتني أراهم ولا يروني، ولا لقبيلي من الشياطين؟ ولو جعلتَهم يرونا، كان أصلحَ لهم؛ لأنّه كان أجدرَ أن يحترزوا منّا.
وكان ذلك من إِبليس بمشهد الملائكة. فلم يُحيروا عن ذلك جوابًا. فأجابه الله سبحانه عن سؤاله، وقال: "إِنّ كلامك ينقض آخرُه أوله؛ لأنّك أولًا سَلَّمت أني ربّك، لي الأمر والحكم. ثمّ تسألني سؤالَ مجادلٍ. أنا لا أُسأل عمّا أفعلُ وهم يُسألون". وسنورد، إِن شاء الله سبحانه، نصوصَ الكتاب والسنّة في مسألة القدَر، ونبيّن وجهَ دلالاتها، وجوابَ ما يرِد عليها من الإِشكال، آخرَ هذا التصنيف، ولها وضعناه، إِن شاء الله تعالى.
وحيث انتهى الكلامُ على التحسين والتقبيح، وهو الأصل الصعب الفاسد الذي تفرّع عنه كثيرٌ من الضلالات من أوّل العالم إِلى آخره، كما ذكرناه في الخطبة، فلنردفه بذكر جملةٍ من فروعه في أصول الدين والفقه وفروعه. وإِنما نذكر منها ما تيسّر وحضر. إِذ لو التزمنا الحصَر، لزمنا الحصرُ.
1 / 95