درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح
محقق
أيمن محمود شحادة
الناشر
الدار العربية للموسوعات بيروت
رقم الإصدار
الأولى
تصانيف
أَمرِ تَدَيُّنهم بزَعمِهم على القدر. ثمّ لا يَرضون في أَمرِ دُنياهم إِلاّ بالاجتهادِ والبحثِ والطلبِ والأخذِ بالحَزمِ فيه- وذلك لثِقلِ الحَقِّ عليهم- ولا يَعمَلون في أَمرِ دنياهم في سائر تَصرُّفهم على القضاء والقدر. فلو قيل لأحدهم: "لا تَستَوثِق من أمورِك، ولا تُقفِل حانوتَك احترازًا لمسائِك، واتَّكِل على القضاء والقدر"، لم يَقبَل ذلك. ثمّ يُعَوِّلون عليه في الديِن".
قال:
ومّما يحتَجُّون به أنّ اللهَ قَبضَ قبضةً، فقال: "هذه في الجنّة، ولا أُبالى"؛ وقَبَضَ أُخرى، وقال: "هذه في النار، ولا أبالي". كأنهم يَرون أنّ ربهم يَفعَل ذلك كالمصارع بينهم المحارب- تعالى اللهُ عمّا يَصِفونه به. وإِن كان الحديثُ حقًّا، فقد عَلِم اللهُ أهلَ النارِ قبلَ القبضتين، وقبلَ أن خَلَقَهم. فإِنما قَبَضَ أَثرَ أهلِ الجنّة الذين في عِلمِه أنهم يَقَلون، وأنهم سيَعملون بما عَلِموا مُمكَّنِين، غيرَ مُجبَرِين.
وكان يجب على ما رووه أن تكون أعمالُ الناسِ هباءً منَثورًا، من حيث قد فُرِغ مِن الأمر. وكيف يَصحُّ ذلك، مع قوله: ﴿تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا﴾، وهو الذي حَمَلَهم عليه! وما معنى قوله، ﴿فما لهم لا يمنون﴾، وقد مَنَعَهم! .
"وكيف يقول: ﴿ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله﴾! بل كان يجب أن يقول: "ما كان لأهل المدينةِ أن يَعمَلوا بما قَضَيتُ عليهم". ولما قال: ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض﴾، وهو الذي حال بينهم وبين الطاعة!
1 / 203