وخرج على ما قلنا الصلاة، فإنها غير مقدرة بوقت وجوبها، بل وقتها يتسع لأمثالها، فإذا شككنا في دخول وقتها لم يجب فعلها حذرا من وقوعها قبل وقتها، فإذا أخرناها لم نخف الفوت. وفي مسألتنا: إذا قدمنا الصوم لم تفت وظيفته، ومتى أخرناه فاتت.
قالوا: لم قلتم: إن تقدرها بوقت وجوبها يوجب الصوم مع الشك؟
قولكم: ((مصلحة الصوم مختصة برمضان))، جوابه من وجهين:
أحدهما: لا نسلم، بل مصلحة الصوم تحصل في كل زمان، لأن تلك المصلحة هي الابتلاء بترك مألوف النفس، وهذا لا يختلف بالأزمنة إلا أن الشرع أوجب هذا على الفور. فإذا أخر فاتت الفورية، والفورية صفة زائدة على الوجوب، فمتى لم يثبت الوجوب لم تثبت مصلحة الفورية.
وإن بان بعد ذلك أنه كان من رمضان سقطت الفورية للجهل بها، وبقي أصل المصلحة. ومن هاهنا وجبت الكفارة بالإفساد، لأنه يفوت الفورية بعد الوجوب مع العلم بها.
الوجه الثاني: سلمنا أن المصلحة مختصة بزمان رمضان، ولكن لم قلتم: إنه يجب الاحتياط بهذه الطريق على هذا الوصف؟.
قولكم: ((قد أوجبنا الإمساك في الليل))، قلنا: هناك تحققنا وجوب الصوم فاحتطنا للخروج من عهدته، وهاهنا لم يتحقق.
قولكم: ((لا نأمن فوات المصلحة))، جوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذا يشير إلى كونه من شعبان وكونه من رمضان، وقد سبق في هذا ما فيه كفاية.
صفحة ٨٤