الفصل الخامس
صوت الضمير: هل ما زال مسموعا؟
من الصعب تصديق أن أسوأ الرجال قد يرتكبون أسوأ الأفعال دون أي إحساس أو ندم داخلي، وهو صوت ضمائرهم؛ لكن من السهل الاعتقاد بأنهم يخمدون هذا الصوت ويتخلصون منه، وأنهم باعتياد ارتكاب الإثم قد يصيبهم الصمم بحيث لا يتمكنون من سماع هذا الصوت الضعيف. (إدوارد، إيرل كلاريندون، «عن الضمير»، 1670)
صوت الضمير
نشأ الضمير في التراث الشفهي للقضاء والمرافعات في المحاكم الرومانية، واحتفظ بصفة المداخلة الشفهية. ففي مقابلة أوغسطين الأولى مع ضميره والتي تمثل سابقة، كانت مسألة استماعه إلى صوته لها تأثير كبير عليه. دعنا نعد للحظة إلى تلك الفقرة شديدة الأهمية:
لقد أتى اليوم الذي يجب أن أتجرد فيه أمام نفسي ويتمتم ضميري بداخلي قائلا: «أين لساني؟ صحيح أنك قد ظللت تؤكد أنك لن تلقي عبء الكبر لأجل حقيقة غير مؤكدة. لكن انظر، فالأمور الآن مؤكدة، ومع ذلك ما زلت مهموما بنفس العبء ...»
لا تقدم لنا هذه الفقرة الضمير بوصفه صوتا فحسب، بل إنها أيضا تصف الضمير وهو يحث نفسه، أي إنه حرفيا يكتشف صوته. وقد استخدم أوغسطين في عبارته كلمة
increpare
اللاتينية التي من معانيها «الحفيف»، وفي هذا السياق تعني «يهمهم» أو «يتمتم». وليس هذا الحراك الأول للضمير حديثا منمقا متطورا قدر ما هو حديث متلعثم أو نوع من التمتمة التي تسبق الحديث، ثم تأتي جملة «أين لساني؟» حيث يطالب الضمير بالحق في التعبير عن نفسه. وتبرز أهمية الحديث بالنسبة لاكتشاف الضمير لذاته في النزاع على ما إذا كان أوغسطين يملك لسانا أم لا. وقد قام أحد المترجمين بترجمة هذه الجملة من اللاتينية إلى «أين لسانك؟» بدلا من «أين لساني؟» والالتباس هنا مفهوم بالطبع. وإذا جاز التعبير، إذا أراد الضمير أن يجعل تأثيره ملموسا فإن عليه أن يضمن حصوله على حق الحديث وأدواته من مكان ما خارج نطاق خبرة أوغسطين المباشرة.
يؤكد الضمير بقوة على حقه في الحديث، وأنه لن يحرم منه، ومع ذلك فهو يتحدث بوصفه صديقا ومستشارا وليس مغتصبا أو متنمرا، وهو يعبر عن كلماته داخليا ويظهر تأثير هذه الكلمات أيضا داخليا. وتبدو صلته الحميمة بصاحبه واضحة في اختياره مخاطبة أوغسطين بضمير المخاطب المألوف باللاتينية
صفحة غير معروفة