2
وقد أضاف أتباعه إلى تلك الآراء في القرن التالي أمورا مثل الاعتراض وفقا لما يمليه الضمير وحق المرء في عدم اتباع بلده في الحرب. وباختصار، يعتبر ميل مبادرا مهما بالرأي السائد الآن القائل إن الضمير يرتبط ارتباطا وثيقا بالفردية والاستثناء، بينما حقوق الضمير ترتبط ارتباطا وثيقا بحماية آراء المهمشين والأقليات. وبالإضافة لاهتمامه بالضمير المعارض، يعمل ميل على مد الحماية من الاعتقاد إلى مجال الاختيار والفعل - إلى «فعل ما نحب» - طالما لا يؤذي أحدا. (وهو هنا يبدأ مناقشة مستمرة سوف نتناول المزيد منها لاحقا في
الفصل الرابع .)
يعد المنهج الذي يمتد من لوك مرورا بميل - والذي عمل على توسيع رقعة الحقوق والحماية للضمير الفردي في الشئون العلمانية والدينية على حد سواء - أحد الإنجازات العقلية والأخلاقية الرائعة للجنس البشري. لكن على الرغم من بلاغة هؤلاء المدافعين وقوتهم الإقناعية، فقد كان للضمير أيضا منتقدوه ومن ينتقصون من قدره. وفي تلك الفترة من منتصف القرن التاسع عشر التي أشارت فيها كتابات ميل إلى تمكين الضمير بوصفه حصنا للحرية والاستقلال الفردي، خضع الضمير لهجوم مستمر مركب مؤثر على يد بعض الكتاب والمفكرين المسئولين عن تشكيل فكر القرن العشرين.
هوامش
الفصل الثالث
ثلاثة نقاد للضمير: دوستويفسكي ونيتشه وفرويد
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، دعا عدد من المفكرين، في مجال الدين مثل باتلر وفي مجال الفلسفة مثل سميث، إلى نظرة متفائلة تدور حول ضمير يسهل اكتسابه ويسعى إلى تحقيق الخير الاجتماعي. وقد تجلت تلك الآراء المتباينة في أعمال عديدة ذات شعبية في الأوساط الفكتورية، مثل اللحظة الشاعرية التي جسدها الفنان هولمان هانت في لوحته المسماة «يقظة الضمير». ففي هذه اللوحة، صور هانت لحظة تنوير استمدت إلهامها من الضمير عندما ضاعت آمال أحد الماجنين في غواية امرأة شابة عند ظهور طيف أخلاقي لها. وفي لوحة هانت - بالإضافة إلى العديد من الروايات والأعمال الفنية الخيالية المشهورة - يوجد خلط بين الضمير وما يسمى بالأخلاقيات العامة؛ فبدلا من الموافقة على الخروج الوقح عن التوقعات العادية، يمثل الضمير الوتد الذي تفرض من خلاله القيود والموانع المجتمعية نفسها على السلوك الشخصي للأفراد، لكن المحرك القوي للضمير يعمل عملا لا يتناسب مع قدراته الهائلة إن اقتصر دوره على ضبط السلوك الشخصي طبقا لقيم المجتمع، تلك القيم التي نربطها في الوقت الحاضر بكتب المساعدة الذاتية التي تباع للمسافرين المشغولين في أكشاك الجرائد الموجودة بالمطارات. ولا تستطيع الآراء المتفائلة المشوشة حول الضمير - باعتباره يمثل مصدرا يعول عليه للرقي الأخلاقي - سوى إزعاج المزيد من المعلقين المتشككين في هذه الآراء.
شكل 3-1: لوحة «يقظة الضمير» للفنان ويليام هولمان هانت، عام 1853.
1
صفحة غير معروفة