وفيما هو محدق بها وقد خلبت لبه، وملكت شغافه، خيل له أن تلك الصورة قد تحركت وتجسمت.
فبرزت منها امرأة مرتدية بثوب طويل أبيض، كأنها ملاك قد شق كبد الغمام وهبط من السماء.
وهي ذات شعر أشقر طويل مسترسل على كتفيها، وعينين سوداوين ترمي بهما السهام عن قوسي حاجبيها.
ولها بشرة بيضاء شفافة يكاد يظهر من خلالها سريان دمها في العروق، فيصبغ تلك البشرة الناعمة بلون الورد.
وفي الجملة، فقد بلغت الغاية القصوى من الجمال، كأنها خلقت كما اشتهت.
ولم يكد باسي يراها حتى اختلج فؤاده، وحاول أن يهب من فراشه فينطرح على قدميها، ولكنه شعر بأنه مقيد برباط شديد لم يستطع حله، وأنه لا يستطيع حراكا كالأموات.
وكان باسي قد رأى أشباحا وتماثيل يهبط بعضها من سقف الغرفة، ويشق بعضها الجدران، فيمتزجان ويشتبك بينهما العراك، فلما برزت تلك الفتاة لم يعد ينظر إلى الأشباح وانصرف نظره إليها، فجعل يغازلها بإنشاد الأشعار الرائقة.
ولكنه لم يكد يتم أشعاره فيها حتى احتجبت عن عينيه، وحال بينه وبينها رجل معصوب العينين كانت تقوده إليه امرأة عجوز.
فاحتدم الكونت غيظا، وهم أن يفتك بذلك الرجل وتلك العجوز، ولكنه لم يستطع حراكا، وفيما هو يتململ، وقد كاد يتميز من الحنق إذ سمع هذا الرجل يقول: أبلغت المكان الذي تقودونني إليه؟
فأجابه صوت رخيم هاجت له عواطف الكونت: نعم، قد وصلت ويمكن الآن أن ترفع العصابة عن عينيك.
صفحة غير معروفة