الدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني

Abu Yacqub Warjalani ت. 570 هجري
44

الدليل والبرهان لأبي يعقوب الوارجلاني

تصانيف

وقد قدمنا أن الباري سبحانه لم يفرد نفسه بلغة غير لغتنا التي نتخاطب بها .

وللباري علم ولنا علم ، وله قدرة ولنا قدرة ، وله إرادة ولنا إرادة ، وله قيام المعاني ولنا حلول الأعراض . يا سبحان الله . ولو عكسوا فما عدا , فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا .

وأما مذهبهم في التشبيه والجوارح فعلى وجهين : أما من ذهب به مذهب الجوارح فلا يخاطب ولا يعاتب ، فإن أنفذهم قد ترأرأ ببصره نحو الإله فانعكس بصره إلى جسده فلمحه ، فخاله إلهه ، فكبر وعظم ، وصلى وسلم وقال : الحمد لله الأكرم ، ذي الآلاء والنعم ، والوجه والقدم ، واليد والعظم ، والعين والفم ، والجوارح كلها الجم ، والنون والقلم ، وما أدراك ما نون والقلم وما يسطرون . فاستجاب له العميان من جميع البلدان وصدقوا قولته وأجابوا دعوته . ( شعر )

فأقرب من ذلك موقعا أن يختلف معهم في الأسواق ولا يعرفونه ، وتضمه معهم المساجد والمجالس ولا يثبتونه . ويقول : أنا ربكم الأعلى . ولا ينكرون ، بشرط أن يكون وسيما جميلا جليلا ، ولا قبيحا ولا ذميما ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وهؤلاء قوم فرحوا بما عندهم من العلم ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون .

وأما من امتنع منهم من إجرائها على المعاني التي تعرف : من الوجه أنه الجاه ، ومن القدم بما قدم لها من الشقوة ، ومن اليد أنه النعمة والقوة ، ومن المعصم ما يعتصمون به ، ومن العين العلم تجري بأعيننا ، ومن الفم الكلام ، وفي أمثال ، هذه معروفة عند العرب أنها الجارحة وثمرة الجارحة كما يعقلها العرب ، فلحبو طريقا وسطا بين الخيال والوبال ، فامتنعوا من الجوارح ، وامتنعوا من اللغة .

قلنا لهم : أتعرفونها ؟

قالوا : لا ، إلا أنها صفة الله .

صفحة ٥٣