ثم أمر عبيده فحملوا جميع ذلك إلى داره، فضرب الباب عليهن ففتحنه، فوجدهن في الظلام على حالهن، فأدخل العبيد جميع ذلك إلى داره وذهبوا، ففرح البنات بذلك، وكان في داره سرور كبير، ولبس بناته الثياب الجميلة والحلي النفيسة، واجتمعن حول المائدة، وكان إسماعيل يلبس جبة صوف وكساء صوف وقلنسوة صوف، ولم يزل مقيما بالقيروان إلى أن حضرته نية الجهاد، فخرج في مركب متطوعا في غزاة عبد الله بن رافع صقلية من بلاد الطليان، فغرق في البحر فمات وهو معانق للمصحف؛ وذلك سنة 107ه رضي الله عنه، وهذا الجامع خارج باب الجديد مشهور. (6) مسجد أبي ميسرة
بناه أحد التابعين على رأس المائة الأولى، ونسب إلى أبي ميسرة الفقيه أحمد بن بزار الزاهد؛ لأنه كان إمامه، وكان عالما جليلا يختم القرآن كل ليلة بمسجده، معروف بالكرم الجم؛ حتى إنه يجعل مائدة طعامه خلف باب داره ليكون قريبا من السائل، توفي سنة 337ه، ودفن بمقبرة الجناح الأخضر قرب قبر شقران، وهي المقبرة التي كانت تسمى في القديم بمقبرة باب سلم، رضي الله عنه، وهذا الجامع أمام باب تونس القديم من الداخل. (7) أبو زمعة البلوي ومقامه
البلوي نسبة لبلي؛ قبيلة من قضاعة، واسمه عبد الله بن آدم، قدم القيروان مع جيش الصحابة الذي تحت قيادة معاوية بن حديج السكوني الكندي. وكان من جملة رجال معاوية في غزوته عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وجبلة بن عمر الساعدي، وأبو زمعة البلوي؛ وذلك في خلافة عثمان بن عفان، رضي الله عنهم.
شهد أبو زمعة بيعة الرضوان، وبايع رسول الله عليه السلام تحت الشجرة، وشهد فتح مصر وغزا إفريقية مع حديج، ودفن معه قلنسوته فيها شعر الرسول
صلى الله عليه وسلم ، وتوفي بجلولة؛ وهو مكان يبعد عن القيروان بنحو ثلاثين ميلا، ونقل إلى القيروان في مشهد عظيم، ودفن بها سنة 34ه، وقد كان قبره بحوطة بسيطة، فأسس القبة وصحن الحرم حمودة باشا بن مراد سنة 1085ه، ثم بنى قبة الهواء والمدرسة والصومعة، والعلوي محمد بن مراد المشهور بصاحب الخيرات سنة 1094ه.
وقد حبس الشريف بن هندة جميع ما يملك على الزاوية البلوية، وهو المدفون بالبيت الذي بصحن الحرم على يسار الداخل، وكان وكيلا على وقف الزاوية، وأصله من الهند، مشهور بالصلاح والتقوى، ولم أعثر على تاريخ وفاته. وللزاوية البلوية أحباس كثيرة، لو صرفت في وجوه الخير لأفادت فائدة عظيمة. وأسست منها تكية للعواجز أو ملجأ للأيتام، ولكن قضى الله على المسلمين بموت الشعور وفقد الإحساس، فتلاشت الأحباس، وذهب الناس، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (8) أبو حنش الصنعاني التابعي: دفين المقبرة البلوية
هو حنش بن عبد الله السبئي الصنعاني، ولد بصنعاء اليمن، وهو من علماء التابعين المشاهير، كان يروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وعبد الله بن عمر، وابن عباس ورويفع بن ثابت، رضي الله عنهم، وروى عنه الحارث بن يزيد، وعبد الرحمن بن أنعم، وقيس بن الحجاج، وغيرهم من كبار العلماء. شهد غزو الأندلس مع موسى بن نصير، وهو الذي فتح جزيرة بني شريك، وهو العمل المعبر عنه الآن بوطن الجزيرة بعمل تونس، ثم سكن القيروان، واختط بها دارا ومسجدا اندثرا وعفت رسومها.
قال عبد الله بن وهب: كان حنش إذا فرغ من عشائه وحوائجه وأراد الصلاة من الليل، أوقد المصباح وقدم المصحف وإناء فيه ماء، فإذا وجد النعاس استنشق الماء بعد طلق السلام. وكان كثير الصدقة لا يرد سائلا، فإذا وقف السائل ببابه لم يزل يصيح بأهله: «أطعموا السائل، أطعموا السائل» حتى يطعم. توفي بالقيروان سنة 100ه، وضريحه بالمقبرة البلوية بجوار الزاوية الصحابية مشهور يزار، رضي الله عنه. (9) فسقية الأغالبة
أسسها أبو إبراهيم أحمد بن الأغلب سنة 248، وكان يجلب إليها الماء على حناية من صبيطلة، وكانت منتزها في المصيف لأمراء البيت الأغلبي، وكان بها مقعد مقام على أعمدة بوسطها يجلس عليه أحد عشر نفرا من عائلة إبراهيم بن الأغلب، وكانت محاطة بالرياض والأشجار الباسقة، وبها زوارق بديعة يصلون بها إلى المقعد، وقد بقيت أسطوانات المقعد إلى الآن. وهاته الفسقية بجوار مقبرة الحطبية خارج باب تونس مشهورة، يقصدها الزوار لجمال هيئتها وحسن موقعها، فسبحان مالك الملك ذي الجلال والإكرام . (10) سور القيروان القديم
أسسه ابن الأشعب سنة 144ه، وهذا المؤسس له هو أول عامل أرسل إلى إفريقية من قبل أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي، جعل عرض السور إذ ذاك عشرة أذرع، أما قيس طوله لم أعثر عليه في التاريخ.
صفحة غير معروفة