هل الاهتمام بالشكل يأتي على حساب المضمون؟ كلا بل يأتي لحسابه، الشكل هو كل شيء في العمل الفني، الشكل هو المضمون في حضوره الإستطيقي، والشكل الدال هو الشكل الذي تطابق مع انفعال مبدعه تجاه الواقع النهائي، والذي وجد فيه هذا المضمون الانفعالي جسدا للمثول الموضوعي ومنفذا إلى الذوات الأخرى، وآيته في ذلك أنه يثير في المتلقين انفعالا مضاهيا لانفعال مبدعه، وهذا الانفعال الناجم هو معرفة ونشوة معا، هو كشف كبير ومتعة عالية في آن.
الشكل الدال حق متى جاء، ونحن نعرفه متى صادفناه ونعرف أنه حق، إنه هو ... يحمل آية صدقه (الوجد الإستطيقي) ويومئ إلى رصيده الأنطولوجي (الواقع النهائي)؛ ومن ثم فهو نقيض اللعب والتبطل، فأنت في كل الأحوال لكي تأتي بشكل دال فلا بد أن يكون لديك ما تقوله، الشكل الدال ليس زينة بل نقيض الزينة، وهو بالتأكيد تقشف وتبسيط وكفاف
2
من التمثيل والتفصيل، وطرح للزائد ونبذ لكل ما لا دلالة له، الشكل الدال ليس لهوا أو فراغا أو عجة بلا بيض.
يقول كلايف بل في فصل «التبسيط والتصميم»: «التفصيل هو لب الواقعية، وهو «الانحلال
3
الدهني»
fatty degeneration
للفن، أما الحركة المعاصرة فقد اتجهت إلى التبسيط، وإلى التخلص من كل هذه الفوضى من التفاصيل التي أقحمها الرسامون في لوحاتهم من أجل إثبات الوقائع وتقريرها، غير أن المهمة كانت أكبر من ذلك؛ فقد كانت هناك عناصر خارجة عن الموضوع يقحمها الرسامون في لوحاتهم لأغراض أخرى غير تقرير الوقائع، من هذه الأغراض الاستعراض التكنيكي، فمنذ القرن الثاني عشر أخذت التعقيدات التكنيكية في التوسع المطرد، وأخذ الكتاب الذين ليس لديهم ما يقولونه يعتبرون التلاعب بالألفاظ كغاية في ذاته؛ فهم أشبه بطهاة ليس لديهم بيض فجعلوا يعتبرون وتيرة صنع العجة كفن جميل؛ خلط التوابل وفرم الخضرة وإحماء النار وتهيئة الطواقي البيضاء، أما البيض فما لنا وما له؟ ذلك أمر الله، ومن ذا يريد العجة حين يكون بوسعه أن يمارس الطهي؟ لقد بسطت الحركة الجديدة هذه الأمور واختزلت عدة الطهي، وعمدت إلى أن تطهر العمل الفني من أي عنصر لا يعدو أن يكون عرضا لحرفية الصانع.»
4 (3) شمول الشكل
صفحة غير معروفة