إن الأغراض التي نضمرها لحظة الإدراك هي التي تتحكم في تحديد ما نختاره لكي ننتبه إليه، فأفعالنا هي دائما غرضية تتجه نحو هدف ما؛ ولذا فإنه عندما تكون للأفراد أغراض مختلفة فإنهم يدركون العالم على أنحاء مختلفة، بحيث يقر أحدهم أمورا معينة يتجاهلها غيره أو ينكرها، ذلك أن الاهتمام أو الموقف هو الذي يرشد الانتباه في اتجاهات ذات صلة، ويهيئ الكائن إلى أن يسلك بطريقة فعالة، ويحجب في الوقت نفسه تلك المنبهات التي لا تتصل بغرضه وربما تشتت جهوده وتبددها، فالطالب الذي يستغرق في حل مسألة رياضية، على سبيل المثال، يولي كل اهتمامه إلى العناصر المتصلة بهذه المسألة، ويصرف انتباهه بشكل حاسم عن كل منبهات البيئة ولا يكاد يدرك منها شيئا، بل إن الموقف الفكري والأيديولوجي ليتحكم في طريقة الإصغاء إلى الأشياء وهيئتها المدركة، ويشحن الانتباه في اتجاهات معينة ويصرفه عن المضي في اتجاهات أخرى. (2) الموقف العملي والاقتصاد الإدراكي
نخلص من ذلك إلى أننا في حياتنا اليومية المعتادة نتخذ دائما موقف «الإدراك العملي»، فلا ندرك الأشياء إلا بوصفها وسيلة إلى غاية أو غرض يتجاوز تجربة الإدراك ذاتها؛ ومن ثم فنحن نجتزئ بإدراك ما يكفي لإنجاز الغرض العملي؛ فقد علمتنا الحياة العملية أن «نقتصد» في الإدراك، وننظر إلى الأشياء والأشخاص بالقدر الذي يكفي لتمييزهم، وكأننا في الحقيقة لا نرى الأشياء ذاتها بل نقرأ بطاقات الأشياء لنعرف على الفور كيف نسلك إزاءها، أو ننظر إلى الشيء لنرى فيه «النمط»
type
لا «النسخة»
token (بتعبير اللسانيات الحديثة). يقول كلايف بل: «لقد اخترع هذه البطاقات المفيدة أناس عمليون من أجل أغراض عملية، والبلية هي أن العمليين من الناس بعد أن يكتسبوا عادة تمييز البطاقات يميلون إلى أن يفقدوا القدرة على الانفعال، وبما أن الطريقة الوحيدة لبلوغ الشيء في ذاته هي الشعور بدلالته الانفعالية، فإنهم سرعان ما يبدءون في فقد حسهم بالواقع.»
1
هذا «الاقتصاد الإدراكي»، أو عادة قراءة بطاقات الأشياء، هو أمر مفيد ولا بد منه لادخار الطاقة وحفظ الحياة، وقد قيل يوما: إن الذئب الفنان يموت جوعا! وتأويل ذلك أنه سيظل يتأمل الشاة (ويتغذى بانفعاله الإستطيقي) ولن ينقض عليها أبدا، إنه «جمالي متطرف»
aesthete
يسرف في إدراكه ويخلط المقولات
2
صفحة غير معروفة