دلائل الإعجاز
محقق
محمود محمد شاكر أبو فهر
الناشر
مطبعة المدني بالقاهرة
الإصدار
الثالثة ١٤١٣هـ
سنة النشر
١٩٩٢م
مكان النشر
دار المدني بجدة
بكِّرا فالنَّجاحُ في التَّبْكيرِ
كان أحسَنَ. فقال بشارٌ: إِنما بنَيْتُها أعرابية وَحْشيَّة فقلتُ: إنَّ ذاكَ النجاح في التبكير، كما يَقولُ الأعرابُ البدويون، ولو قلتُ: "بكِّرا فالنجاحُ"، كانَ هذا من كلامِ المولَّدينَ، ولا يُشْبِهُ ذاكَ الكلامَ، ولا يَدْخُل في معنَى القصيدةِ. قالَ: فقامَ خلَفُ فقبَّلَ بَيْنَ عينيه"١، فهل كان هذا القولُ من خَلَف والنقدُ عَلَى بشارٍ، إِلاّ لِلُطفِ المعنى في ذلك وخفائه؟
"إن"، تغني غناء "الفاء"، في ربط الجملة بما قبلها:
٣١٦ - واعلمْ أنَّ مِنْ شأنِ "إنَّ" إِذا جاءتْ على هذا الوجهِ، أَن تُغْني غَناء "الفاءِ" العاطِفةِ مثلًا، وأنْ تُفيدَ من رَبْط الجملةِ بما قبلَها أمرًا عجيبًا. فأنتَ تَرى الكلامَ بها مستأنفًا غير مستأنف، ومقطوعًا موصولًا معًا. أفلا تَرى أنك لو أَسْقَطْتَ "إنَّ" من قولِهِ: "إنَّ ذاك النجاحَ في التبكيرِ"، لم تَرَ الكَلاَم يلتئِمُ، ولرأيتَ الجملةَ الثانيةَ لا تتَّصل بالأولى ولا تكونُ منها بسبيلي، حتى تجيءَ بالفاءِ فتقولُ: "بكِّرا صاحبيَّ قبلَ الهجير، فذاك النجاح في التبكير" ومثله قوله بعضِ العرب:
فغَنِّهَا وهْي لكَ الفِداءُ ... إنَّ غِناءَ الإِبلِ الحُداءُ٢
فانظرْ إِلى قولِه: "إنَّ غِناءَ الإبلِ الحداءُ"، وإِلى ملاءمَتِهِ الكلامَ قبلَه، وحسْنِ تشبثِه به، وإِلى حُسْن تعطُّفِ الكلامِ الأول عليه. ثم انظر إذا تركت
١ هذه القصة بهذا اللفظ في الأغاني ٣: ١٩٠، وفيها الخلاف الذي أشرت إليه في التعليق السابق. وستأتي الإشارة إليه في رقم: ٣٧٢.
٢ سيأتي أيضًا في رقم: ٣٧٢.
1 / 273