273

دلائل الإعجاز

محقق

محمود محمد شاكر أبو فهر

الناشر

مطبعة المدني بالقاهرة

رقم الإصدار

الثالثة ١٤١٣هـ

سنة النشر

١٩٩٢م

مكان النشر

دار المدني بجدة

فصل:
بيان في شأن الكناية والاستعارة والتمثيل:
٣٠٤ - الكلامُ على ضَرْبين: ضربٌ أنتَ تَصِلُ منه إِلى الغَرضِ بدلالةِ اللفظِ وحدَه، وذلك إِذا قصَدْتَ أن تُخْبِر عن "زيدٍ" مثلًا بالخروجِ على الحقيقة، فقلتَ: "خرجَ زيدٌ"، وبالانطلاقِ عن "عمرو" فقلتَ: "عمروٌ منطلِقٌ"، وعلى هذا القياسِ. وضربٌ آخرُ أنتَ لا تصِلُ منه إِلى الغرضِ بدلالة اللفظِ وحدَه، ولكنْ يدلُّكَ اللفظُ على معناه الذي يَقْتضيه موضوعُهُ في اللغُّة، ثُمَّ تَجدُ لذلك المعنى دَلالةً ثانيةٌ تَصِلُ بها إلى الغَرَض. ومَدارُ هذا الأمر على "الكناية" و"الاستعارة" و"التمثيل"، وقد مضتِ الأمثلةُ فيها مشروحة مُستقصاةً١. أوَ لا تَرى أنكَ إذا قلْتَ: "هو كثيرُ رمادِ القِدْر"، أو قلتَ: "طويلُ النجادِ"، أو قلتَ في المرأةِ: "نَؤُومُ الضحى"، فإنَّكَ في جميعِ ذلك لا تُفيدُ غرضَك الذي تعني من مجرد اللفظ، ولكن نيدل اللفظُ على معناه الذي يُوجِبُهُ ظاهرهُ، ثم يَعْقِلُ السامعُ من ذلك المعنى، على سبيلِ الاستدلالِ، معنًى ثانيًا هو غَرَضُك، كمعرفتِكَ مِنْ "كثيرِ رمادِ القدرِ" أنه مضيافٌ، ومن "طويلِ النِّجاد" أنه طويلُ القامة، ومن "نؤوم الضحى" في المرأة أنها مُتْرفَةٌ مخدومةٌ، لها مَنْ يَكفيها أَمْرَها.
وكذا إِذا قال: "رأيتُ أسدًا"، ودلَّكَ الحالُ على أنه لم يُرِدِ السبعَ، علمتَ أنه أرادَ التشبيهَ، إِلا أنَّه بالغَ فجعلَ الذي رآه بحيث لا يتميِّزُ عن الأسد في شجاعته.

١ انظر ما سلف من أول الفقرة: ٥٧.

1 / 262