119

دلائل الإعجاز

محقق

محمود محمد شاكر أبو فهر

الناشر

مطبعة المدني بالقاهرة

رقم الإصدار

الثالثة ١٤١٣هـ

سنة النشر

١٩٩٢م

مكان النشر

دار المدني بجدة

ولا يُبالون مَنْ كانَ القتلُ منه، ولا يَعْنيهم منه شيءٌ. فإِذا قُتل، وأرادَ مُريدٌ الإِخبارَ بذلك، فإِنه يُقدَّم ذكرَ الخارجيَّ فيقول: "قَتَلَ الخارجيَّ زيدٌ"، ولا يقولْ: "قتلَ زيدٌ الخارجيَّ"، لأنه يعلم أنْ ليس للناسِ في أنْ يعلموا أنَّ القاتلَ له "زيدٌ" جَدْوى وفائدةٌ، فيَعْنيهم ذكْرُه ويهمُّهُمْ ويتَّصلُ بمسَّرتِهم ويَعْلم مِن حالِهم أَنَّ الذي هم متوقِّعون له ومُتَطلّعون إِليه متى يكونُ، وقوعُ القتلِ بِالخارجي المُفْسِد، وأَنهم قد كفُّوا شرَّه وتخلَّصوا منه.
ثم قالوا: فإِن كان رجلٌ ليس له بأسٌ ولا يقَدَّرُ فيه أنه يَقتُلُ، فقَتلَ رجلًا، وأراد المخبر أن يخبر بذلك، فإن يُقدِّم ذكرَ القاتلِ فيقول: "قتلَ زيدٌ رجلًا"، ذاك لأَنَّ الذي يَعْنيه ويَعْني الناسَ مِن شأنِ هذا القتلِ، طرافَتُه وموضعُ الندْرةِ فيه، وبُعدُه كان منَ الظنِّ. ومعلومٌ أَنه لم يكنْ نادرًا وبعيدًا من حيثُ كان واقعًا بالذي وَقَع به، ولكنْ من حيثُ كان واقعًا مِنَ الذي وقعَ منه.
فهذا جيِّد بالغٌ، إِلاّ أن الشأنَ في أَنه يَنبغي أن يُعرَفَ في كلَّ شيءٍ قُدِّمَ في موضعٍ من الكلامِ مثلُ هذا المعنى، ويُفسَّر وجهُ العنايةِ فيه هذا التفسير.
لا يكفي أن يقال قدم للعناية:
١٠١ - وقد وَقعَ في ظنونِ الناسِ أَنَّه يكفي أنْ يقالَ: "إِنه قُدِّم للعناية، ولأنَّ ذكْرَه أَهمُّ"، مِنْ غير أن يُذْكَر، مِنْ أين كانت تلك العنايةُ؟ وبمَ كانَ أهمَّ؟ ١ ولِتخيُّلهِم ذلك، قد صَغُر أمرُ "التقديمِ والتأخيرِ" في نفوسهم، وهَوَّنوا الخَطْبَ فيه، حتى إِنك لتَرى أكثرَهم يَرى تَتبُّعَه والنظرَ فيه ضربًا من التكلُّف. ولم ترَ ظنًّا أَزرى على صاحبهِ من هذا وشبهه٢.

١ في "س" والمطبوعة: "ولم كان".
٢ في "س": "أردى على صاحبه".

1 / 108