أما ذكاؤه فقد تجلى في عدة مواقف في القصة، فهو الأوحد الذي لبث في مشهد القران الذي انتهى بمأساة، وإغماء العروس، ساكن الأوصال، مستريبا بالفرية التي افتريت عليها. بل هو أول من ذهبت به الظنون إلى الشقي الذي دبر تلك المكيدة.
ولو أننا فصلنا واقعة حب كلوديو وهيرو من صلب الرواية لما أبقينا منها إلا على مواقف أليمة، ومشاهد لا يستروح الخاطر إليها، ولكن الشاعر العبقري جاء بهذه العلاقة بين بنيديك وصاحبته لتكون تلطيفا بديعا، ومزاجا سائغا، وتوازنا بهيجا، مع العناصر الجديدة التي تتألف القصة منها، حتى لقد تشابها في الاعتداد بالذات، والحرص على الكرامة، والشخصيتين الأخريين وهما كلوديو وحبيبته، وإن كان اعتدادهما يبدو مشبعا بمجانة بديعة وسخرية فكهة.
بياتريس:
إن أول ما يبدو هنا عند تحليل شخصية بياتريس هو تماثلها العجيب لشخصية «بنيديك»، فهي أبدا مرحة، خفيفة الظل، راضية بالحياة، وكل منهما مستطرد في مجانة ممتعة على حساب الآخر، متقبل غمزاته، غير ضائق بها، معتز ببراعته في الرد عليها؛ فلم نر بنيديك متبرما إلا بنكتة واحدة منها، وهي قولها عنه - كما أسلفنا - «مهذار الأمير». ولم نشهدها غضبى من نكاته، إلا من غمزته، حين قال إنها «محفوظات» استذكرتها من كتاب «مائة النادرة»، وهما على حد سواء في إظهار النفور من الزواج، وفي التغلب عليه حين سماع أقوال الآخرين عما يكابده صاحبه من آلام الحب وتباريحه.
وهي تحب ابنة عمها «هيرو» أصدق الحب، وتؤمن ببراءتها من التهمة التي رميت بها، حين صدقها الآخرون حتى أبوها، وتحمل بنيديك على قتل كلوديو عقابا له على ريبته بابنة عمها.
أما نفورها من الحياة الزوجية، كما نفر منها بنيديك، فلم يكن إلا تظاهرا ومراءاة، وقد بدت لنا في لهفة خفيفة على القران حين ظفرت به ابنة عمها من قبلها، فقد مضت تزفر قائلة «ألا من زوج، ألا من زوج!»، وهي صيحة هيهات أن تنبعث من قلب للزواج كاره ...
دون بدرو:
هو الأمير الذي يدين له «كلوديو» و«بنيديك» بالفضل في وثبتهما إلى الشهرة والمجد، فقد أراد أن يشبع ولوعه بالمرح واللهو فجمع من حوله صاحبيه هذين، ومضى يعنى بهما، ويطلب لهما الخير جاهدا، حتى لقد تولى بنفسه مفاتحة «هيرو» في أمر الزواج بكلوديو حتى ظفر له بها، وهو الذي أصلح بين بنيديك وبياتريس بتلك الحيلة اللطيفة التي دبرها، ولكنه بجانب هذا العنصر الطيب الكريم فيه لا يزال يشارك صاحبه «كلوديو» في سرعة تقلبه، وتصديقه لما يقال له، واستسلامه لتضليل المضللين، وقد لقي جزاءه بذلك الاعتراف الصريح الذي أدلى به «بوراشيو» حين قبض الحراس عليه.
ليوناتو:
هو حاكم مسينا، المدينة التي وقعت فيها أحداث القصة، كما يقول المؤلف في بيان «أشخاص الرواية»، ولكن منصبه هذا، أو اشتراكه في الحياة العامة، لا أثر له فيها؛ لأن مواقفه خلال فصولها متصلة بحياته الخاصة، وكل خطره وشأنه أنه والد «هيرو» التي أحبها أشد الحب، حتى لقد رأيناه حين شهر بها كلوديو على الملأ، يفقد رباطة جأشه، ويؤثر الموت على الحياة واحتمال هذا العار الذي جلبته على بيته وعشيرته.
صفحة غير معروفة