ضعيف الترغيب والترهيب
الناشر
مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
مكان النشر
الرياض
تصانيف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره (^١)، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد، فقد كنت شرعت منذ نحو عشرين سنة، وأنا لا أزال في مهاجري الأول (دمشق) - في طباعة كتابي "ضعيف الترغيب والترهيب"، وقطعت في
_________
(^١) يزيد بعض الخطباء هنا: "ونستهديه"، ولا أصل لها في هذه الخطبة الكريمة المعروفة بـ (خطبة الحاجة) في شيء من طرقها التي كنت جمعتها في رسالة عن النبي ﷺ، وفيها بيان أنه ﷺ كان أحيانًا يقرأ بعدها ثلاث آيات معروفة من سورة ﴿آل عمران﴾، و﴿النساء﴾، و﴿الأحزاب﴾، وبعضهم يقدم منها ما يشاء ويؤخر، وربما زاد فيها ما ليس منها، غير منتبهين أن ذلك خلاف هديه ﷺ، وأنه لا يجوز التصرف في الأوراد ولو بتبديل لفظ، حتى لو لم يتغير المعنى! انظر التعليق على حديث البراء الآتي (٦ - النوافل/٩ "الصحيح").
1 / 3
ذلك شوطًا بعيدًا، ثم حالت دون إتمامه هجرتي الثانية إلى عمان سنة (١٤٠٠ هـ / ١٩٨٠ م).
والآن وقد تيسر من يقوم بطباعته ونشره بعد تحقيقه من جديد، وهو الأخ الفاضل الشيخ سعد الراشد، وقد أعدت النظر فيه على النحو الذي جريت عليه في قسيمه "صحيح الترغيب والترهيب"، وقد شرحت ذلك في مقدمته الجديدة، فلا داعي لبيانه هنا مرة أخرى، فمن رام التفصيل رجع إليه إن شاء الله تعالى.
ولهذا فقد تطلّب ذلك مني أن أجعل مراتب أحاديث الكتاب خمس مراتب، مكان الثلاث منها سابقًا، وهي:
١ - ضعيف. وهو ما كان فيه علة قادحة من علل الحديث المعروفة، مثل ضعف أحد رواتة، أو الاضطراب، أو النكارة، أو الشذوذ ونحوها.
٢ - ضعيف جدًا. وهو ما كان في سنده متروك أو شديد الضعف، كثرت المناكير في رواياته حتى خشي أن تكون من وضعه، من مثل ما يقول فيه الإِمام البخاري: "منكر الحديث".
٣ - موضوع. وهو ما كان في إسناده كذاب أو وضاع، أو تكون لوائح الوضع على متنه ظاهرة مع علة في إسناده جلية. (^١)
٤ - منكر، أو منكر جدًا. وهو الذي في إسناده ضعيف خالف الثقة في
_________
(^١) قلت: وهذا النوع لا يظهر إلا لمتمكن في هذا العلم، دقيق النظر في معاني المتون، واسع الاطلاع على السنة الصحيحة، أوتي فقهًا في كتاب الله، وحديث نبيه ﷺ، وقد تنبه المؤلف لمثل هذا أحيانًا؛ فانظر مثلًا حديث معاذ الطويل الآتي برقم (٢٧) والحديث (٥٩٦).
1 / 4
متنه، وقد يكون منكر المتن، ولو لم يخالف (^١).
٥ - شاذ. وهو ما رواه الثقة مخالفًا لمن هو أوثق منه، وبخاصة إذا خالف الثقات، وقد يكون إسنادًا (^٢) وقد يكون متنًا.
وأعلم أخي القارئ! أن المراتب الثلاثة الأولى من المعهود استعمال أهل العلم لها قديمًا وحديثًا، بخلاف المرتبتين الأخيرتين: المنكر والشاذ -فهما معروفتان قديمًا، مهجورتان حديثًا إلا ما ندر، ولذلك فقد رأيت أن استعمالهما مع ما فيه من إحياء ما كاد أن يندرس من العلم- فإن فيه بيانًا أقوى لعلة الحديث وأوضح، كما فعلت في الكتاب الآخر من استعمال مراتب "حسن صحيح " و"صحيح لغيره " و"حسن لغيره" ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾، وإن كان هذا قد كلفني تعبًا شديدًا، وجهدًا جهيدًا كما شرحته هناك، راجيًا الأجر والمثوبة من الله ﷿؛ فإن الثواب على قدر المشقة، ولا سيما في خدمة حديث رسول الله ﷺ، وتمييز ضعيفه من صحيحه، والمحافظة على سنته التي هي بيان لكتاب الله ﵎.
* وقد رأيت أن تطبع المرتبة من تلك المراتب في حاشية الصفحة تجاه قول المؤلف: "عن فلان … " ونحوه.
* ولم أعْنَ في التعليق ببيان أسبابها إلا نادرًا، كان أقول مثلًا: في إسناده فلان، وهو ضعيف، أو ضعيف جدًا، أو كذاب، أو فيه فلان، وهو ضعيف، وقد
_________
(^١) انظر الحديث المنكر الذي صححته إحدى الفتيات الجامعيات المتحمسات الآتي في (٤ - الطهارة/ ٥)، لترى ضرر الجهل والتعالم، وأحاديث آخر حسنها بعض الجهلة يأتي بيان تعديهم على هذا العلم، انظرها في (٤ - الطهارة/ ٧ و٨)، وآخر في (١٢/ الباب) من "الصحيح".
(^٢) مثال الأول حديث ابن عباس في الحمام (٤ - الطهارة/ ٥)، ومثال الآخر في (٥ - الصلاة/ ٣٣).
1 / 5
خالف فلان الثقة، أو فيه فلان وهو ثقة لكنه خالف فلانًا، وهو أوثق منه، ونحو ذلك؛ لم ألتزم هذا إلا نادرًا عند الحاجة، غير أنني رأيت من الضروري التزام ذلك في حالة واحدة، وهي حينما يتبين لي وهم المؤلف أو غيره في تقوية الحديث أو توثيق راويه، أو أشار إلى ذلك، ففي هذه الحالة التزمت ذلك ما أمكنني دفعًا للقيل والقال، وليكون إخواننا القراء على بصيرة مما نقول أو يقال.
* وقد يكون الحديث في الكتاب معزوًا لمصدر من المصادر التي لم أقف عليها، فلم أدر ما حال إسناده -وهو نادر-، مثل كتاب "تجريد الصحاح" لرَزين العبدري، ويبدو لي من النظر في متنه أنه لا يصح؛ فإني أورده في كتابي هذا، دون أن أرمز له بمرتبة من تلك المراتب، وأطبع مكانها إشارة الاستفهام المعروفة (؟)، تبرئة للذمة، ورفعًا للمسؤولية، وهذا فيما لم يضعفه المؤلف، أو يكشف عن علته، وإلا رمزت بالضعف كما سترى في الحديث الآتي قريبًا برقم (٦).
* يورد المؤلف أحيانًا الحديث الصحيح، وفيه جملة أو كلمة لا تصح، أو يورد ذلك في رواية أخرى له، فتردد النظر بين إيراده في "الصحيح"، أو في "الضعيف" مع التعليق عليه بما يلزم.
وكذلك تردد النظر فيما لو كان الحديث ضعيفًا، وفيه جملة صحيحة، فترجح عندي إيراد الأول في "الصحيح" مع اقتطاع الجملة أو الكلمة من الحديث والنزول بها إلى التعليق، وبيان سبب ضعفها كما شرحته في مقدمة الطبعة الجديدة لـ "الصحيح"، فلا داعي للإعادة.
وعلى العكس من ذلك، فقد رأيت في الحديث الضعيف أن أورده في هذا
1 / 6
الكتاب مع النزول بالجملة الصحيحة إلى التعليق إذا أمكن ولم يختل سياق الحديث، وبيان صحتها، والإشارة إلى حذفها بطبع نقط مكانها، وإلا اكتفيت بالبيان، كما فعلت بحديث شهر بن حوشب الطويل الآتي برقم (٢١)، فقد علقت عليه بما يبين صحة قوله ﷺ فيه: "إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب"، ونحوه حديث ابن عباس برقم (٣٢)، وغيره كثير وكثير جدًا كما سيرى القراء ذلك إن شاء الله تعالى، ومثال المشار إليه بالنقط حديث أبي الدرداء الآتي في (٥ - الصلاة/ ١٠)، وأمثلته في "الصحيح" كثيرة.
وقد يكون سياق الحديث مساعدًا لاقتطاع الجملة الصحيحة منه، وطبعها في "الصحيح"، لكن يكون الحديث قد أورده المؤلف في الباب المناسب له دون الجملة، كمثل حديث علي ﵁ قال: نهاني رسول الله ﷺ أن أقرأ وأنا راكع، وقال: "يا علي! مثل الذي لا يقيم صلبه … " الحديث: ذكره في باب "الترهيب من عدم إتمام الركوع … " لمناسبته لما بعد الجملة، فذكري إياها في "الصحيح" مما لا يناسب الباب المذكور كما هو ظاهر، فرأيت إبقاءها مع الحديث، والتعليق عليه ببيان صحتها، وقد أشار المؤلف إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله: "وروي"، ومشى على ظاهره بعض الجهلة، فضعفوا الحديث دون أن يستثنوا الجملة كما سيأتي بيانه في التعليق عليه هناك (٥ - الصلاة/ ٣٤).
هذا ما حضرني ذكره في هذه المقدمة كمنهاج لما جريت عليه في هذا الكتاب النافع إن شاء الله تعالى، سائلًا المولى ﷾ أن يأخذ بيدي، وأن يوفقني إلى ما يحبه ويرضاه من القول والعمل.
وإن مما لا بد لي من التذكير هنا بأنني كنت قد وضعت مقدمة ضافية مفيدة
1 / 7
جدًا بين يدي كتابي "صحيح الترغيب والترهيب"، تضمنت فصولًا عديدة، وفوائد جديدة، حول كتاب المنذري "الترغيب" ومزاياه، وما يؤخذ عليه وعلى غيره من المؤلفين في علم الحديث؛ الكثير منها مما يعزً الوقوف عليه في غيرها.
ومع ذلك فإني أرى أنه لا ضرورة إلى إعادة نشرها هنا، لأنني أفترض أن من اقتنى هذا فسيقتني معه قسيمه "صحيح الترغيب والترهيب"، فهو واجدها في مقدمته، فأحيله إليها.
ولكن لا بد لي من تقديم خلاصة عنها تتناسب مع موضوع هذا الكتاب، فأقول:
قد بينت فيها إصطلاح الحافظ المنذري ﵀ في "ترغيبه"، وأنه جعل أحاديثه على قسمين:
أحدهما: صدًره بلفظ (عن)، وهو المشعر عنده بقوته.
والآخر: صدًره بلفظ (روي) المبني للمجهول، وهو المشعر عنده بضعفه.
وأنه أدخل في كل من القسمين ثلاثة أقسام، وأنه تقسيم مبهَم محيّر مضطرب، لا يكاد عامة القراء يستفيدون منه مراده، وفصلت القول في ذلك تفصيلًا، لا أظن أحدًا تعرض له، أو سبقني إليه، والفضل في ذلك كله لله وحده، وله الحمد والثناء كله.
ومن ذلك أنه أدخل في القسم الأول "ما قارب الصحيح والحسن" -على حد قوله- مما هو ضعيف معروف الضعف عند المحدثين، فقد قال عطفًا على قوله المذكور:
"وكذلك إن كان: مرسلًا، أو منقطعًا، أو معضلًا، أو في إسناده راوٍ
1 / 8
مبهم … أو روي مرفوعًا، والصحيح وقفه، أو متصلًا، والصحيح إرساله، أو كان إسناده ضعيفًا، لكن صححه أو حسنه بعض من خرجه"!
وذكرت هناك بعض الأمثلة.
* وأنه قلد المتساهلين في التصحيح أحيانًا كالترمذي وابن حبان والحاكم، كالأحاديث الآتية (٢ و٢٩ و٣٤ و٣٥) وغيرها، وهو كثير جدًا.
* ومن ذلك أنه في كثير من الأحاديث يقول في تخريجها: "رواته ثقات" ونحوه، وهو في ذلك اما مصيب، أو مخطئ، ويصدره بإصطلاحه الأول: (عن)، فيتوهم من لا علم عنده، أن الحديث صحيح أو حسن، ويكون فيه علة قادحة من العلل المشار إليها آنفًا كالإرسال والإنقطاع والشذوذ؛ مما يدفع تحسينه فضلًا عن تصحيحه: مثل حديث ابن عباس في التحذير من الحمام، فقد صدق في قوله فيه: "ورواته كلهم محتج بهم في الصحيح"، لكن خفي عليه -والله أعلم- أنه شاذ؛ لمخالفة راويه الثقة لمن هو أوثق منه، وقد أرسله. ومثله حديث عائشة: "لزمت السواك"، وهما في (٤ - الطهارة برقم ١٢٧ و١٤٧).
والأمثلة من هذا القبيل كثيرة جدًا جدًا. وإن من أسوئها قوله في حديث ثعلبة بن الحكم في فضل العلماء (٦١): "ورواته ثقات"! وفيه راوٍ متهم بالوضع!
* ومن ذلك أنه لا يميز ما يصدّره من الأحاديث بقوله: (روي) بين ما هو ضعيف، أو ضعيف جدًا، أو موضوع، وبين ما هو شاذ أو منكر؛ إلا نادرًا، فلا يعرف القراء مرتبة الحديث على الحقيقة، إلا إذا أتبعه بما يدل عليها من بيانه، وهذا عزيز جدًا.
1 / 9
* وقد بينت هناك المحظور الذي يترتب على هذا الإصطلاح، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا بحيث يتعسر إحصاؤها في مثل هذه المقدمة، فانظر على سبيل المثال الأحاديث الآتية (٣ و٦ و٧ و١١ و١٢ و١٥ و٢٣).
ومن العزيز النادر الذي أشرت إليه حديث معاذ الطويل في آخر كتاب الإخلاص، والمصدّر بقوله: "وروي"؛ إلا أنه ختم الكلام عليه بعد أن خرجه:
"وبالجملة فآثار الوضع ظاهرة عليه في جميع طرقه، وبجميع ألفاظه".
* ومن ذلك إعتماده في التوثيق على ابن حبان وغيره ممن عرفوا عند العلماء أنهم من المتساهلين في التوثيق، ويكون الموثق مجهولًا عند التحقيق.
إلى غير ذلك من الأمور التي جعلت الاستفادة من كتاب "الترغيب" قليلة جدًا، بل لعله كان من الأسباب القوية في انتشار الأحاديث الضعيفة والواهية؛ بين الطلاب بل والعلماء على اختلاف تخصصاتهم، الذين لا معرفة عندهم بهذا العلم الشريف، بسبب إصطلاحاته الموهمة! خلاف ما قصد إليه من التمييز بين الصحيح والضعيف.
* وفي مقدمة "الصحيح" -الذي منه لخصت الفوائد المذكورة- فصل هام جدًا، لا يسعني إلا أن أنقله إلى هنا؛ لوثيق صلته بكتابنا هذا، لما فيه من الأمثلة التي تناسب هذه المقدمة، وقد تكون من المتممات لبعض الفوائد المزبورة، فمعذرة إلى القراء الكرام إن استطالوا ذلك.
قلت هناك:
"٤٠ - أنواع أوهام المنذري الهامة في خطوط عريضة مع الأمثلة.
1 / 10
أما بعد … "، إلى صفحة ٨٩ نصفها.
وختمت المقدمة بقولي:
"إن الذي نذرت له نفسي لخدمة هذا الكتاب إنما هو تمييز صحيحه من ضعيفه -كما شرحت ذلك في أول هذه المقدمة-، لأنه أهم شيء عندي بعد كتاب الله ﵎، ولا يصح بوجه من الوجوه أن يُقرن معه إلا ما صح من الحديث عن النبي ﷺ، فإنه هو الأصل الثاني الذي أجمعت عليه الأمة".
وعلى هذا فإذا وجد شيء من الأخطاء في مشروعي هذا تبعًا لأصله، فعذري هذا الذي ذكرت، والعذر عند كرام الناس مقبول".
ومع ذلك فإن الله تعالى قد وفقني ويسر لي -وله الفضل والمنة- لتصويب كثير من الأخطاء المختلفة التي وقعت في الأصل، ولا علاقة لها بما نذرت له نفسي، كما شرحت ذلك في مقدمة الطبعة الجديدة للجزء الأول من "صحيح الترغيب"، هذا التصويب الذي أخل به كل الإخلال أولئك المعلقون الثلاثة الذين طلعوا على الناس بطبعة جديدة لكتاب المنذري "الترغيب" في أربعة مجلدات ضخمة مبرقشة مزخرفة، يعجبك مظهرها، ويسوؤك مخبرها، فقد امتلأت بأنواع من الأخطاء الفاحشة، والأفكار التافهة، التي تدل دلالة قاطعة على جهل القائمين بالتعليق عليها وتحقيقها، جهلًا فاضحًا بالغًا لا حدود له، في كل ما يخطر في بال القراء من العلوم التي ينبغي أن يتحقق بها من يدعي تحقيق هذا الكتاب الذي تبرم من كثرة أخطائه وأوهامه الحافظ إبراهيم الناجي -كما تقدم-، فهم جهلة في اللغة والتحقيق والرجوع إلى الأصول، فضلًا عن
1 / 11
الفقه وعلوم الحديث والجرح والتعديل، فهم والحق يقال: لا يحسنون شيئًا إلا التقليد، وسرقة جهود الآخرين، والتشبع بما لم يعطوا، مع التعالي والتعالم وحب الظهور والمخالفة!!
وقد شرحت ذلك شرحًا كافيًا في المقدمة المشار إليها، مع ذكر بعض الأمثلة المهمة التي تدمغهم وتدينهم بما ذُكر، فمن شاء الوقوف على ذلك رجع إليها.
غير أنه لا بد لي هنا من ذكر نماذج أخرى مما وقع لهم في طبعتهم من الجهل فيما يتعلق بأحاديث كتابنا هذا "ضعيف الترغيب"، وفاءً بما كنت وعدت به في مقدمة "صحيح الترغيب"، وذلك في مقاطع من الكلام على نحو ما فعلت هناك، فأقول:
١ - عجزهم عن تحقيق النص وتصحيحه بالرجوع إلى الأصول واللغة؛ لجهلهم بذلك كله! ومن الأمثلة على ذلك كلمة (يُرَبِّثون) في حديث علي في الترغيب في التبكير إلى الجمعة (٧ - الجمعة/٣/ تحت الحديث الأول)، من (رَبَّث يربث)، تصحف في طبعة الجهلة وغيرها إلى (تَرَيَّثَ)، مع أن في شرح المؤلف إياها على الصواب؛ ما يكفي لتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل.
وانظر الصفحات التاليات تجد فيها أنواعًا أخرى من الأمثلة الدالة على ذلك (٧٧ و١٨١ و١٨٧ و٢٣٤ و٢٣٩ و٢٧٩ و٣١٦ و٣٢٠ و٣٣٣ و٣٣٥).
٢ - تحسينهم لأحاديث الضعفاء والمدلسين والمجهولين، وتناقضهم في ذلك، مثل حديث شهر، وليث بن سُليم، ومحمد بن إسحاق وغيرهم، ومع معرفتهم
1 / 12
بالعلة في بعض الأحيان، مثل حديث (شهر) رقم (١٩)، حسنوه، وقالوا فيه: "صدوق"، ثم صرحوا بتضعيف حديثه الآتي بعده بحديث (٢١)! وما ذاك إلا بسبب الجهل والتقليد، ولو أنهم قالوا في الأول منهما: "حسن لغيره" -كما قالوا في غيره- لكان أخف!
ونحوه الحديث (١٤٥) نقلوا عن الهيثمي إعلاله بالتدليس، وسلموا به، ومع ذلك حسنوه!! ومثله الحديث (١٤٨) -وانظر الأحاديث التالية أرقامُها: (٣٦٣ و٤٦٦ و٤٨٤ و٥١٨ و٥٢٨ و٥٩٢ - وهوموضوع- و٥٩٩ و٦٤٤).
٣ - يحسنون تارة، ويصححون تارة الأحاديث التي يقول المؤلف فيها أو الهيثمي: "رجاله ثقات" أو "رجاله رجال الصحيح"، بل وما يقول فيه: "رجاله موثقون"، وهو من بالغ جهلهم بعلم مصطلح الحديث، فإن ذلك لا يعني أكثر من تحقق شرط من شروط الصحة أو الحسن كما كنت شرحت ذلك في مقدمة "صحيح الترغيب"، وأشرت إلى جهلهم هذا في مقدمة الطبعة الجديدة منه.
والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا في هذا المجلد الأول، فما بالك في كثرتها في المجلدات الأخرى؛ من أسوئها أنهم حسنوا الحديث الموضوع الآتي في (٧ - الجمعة/ ١ الحديث ٦) في مغفرة الله لجميع المسلمين يوم الجمعة! وانظر الحديث رقم (٢٦)، والأحاديث (٥٧٣ و٥٧٨ و٦١٥ و٦١٦ و٦٣٥).
وإن مما يؤكد لك جهلهم المذكور أنهم قالوا في حديث من تلك الأحاديث التي لم يزد الهيثمي على توثيق رجاله: "وقد صححه الهيثمي"! (^١)
_________
(^١) انظر مقدمة الطبعة الجديدة لـ "صحيح الترغيب".
1 / 13
٤ - يحسنون بعض الأحاديث بالشواهد، وتارة بالشاهد، ولا شيء من ذلك في كثير من الأحيان، أو يكون شاهدًا قاصرًا يشهد لبعض الحديث دون بعضه الآخر، كما شرحت ذلك في "مقدمة الصحيح" المقطع (١٣).
وأذكر هنا بعض الأمثلة، من ذلك قولهم في حديث حذيفة: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا … يخرج من الإسلام كما يخرج الشعر من العجين".
قالوا: "حسن بشواهده"! وهو موضوع كما بينت هناك رقم (٤٣)، ومثله حديث أم حبيبة في صلاة أربع ركعات قبل العصر (٣٢٧).
ونحو ذلك ما سيأتي التنبيه عليه تحت الأحاديث (٣٤ و١٣١ و١٨٢ و٦٦٣)، وغيرها كثير.
٥ - وأما ما حسنوه أو صححوه لذاته؛ إما تقليدًا أو خبط عشواء؛ فشيء مخيف لكثرته، وكل ذلك بشطبة قلم، دون أي تعليق أو توجيه، وعلى ما تبين لي من جهلهم المطبق، لو قيل لهم: "لم حسنتم أو صححتم؟ "؛ لم يحيروا جوابًا، أو لقالوا: حسنه فلان، أو صححه فلان! فانظر على سبيل المثال الأرقام (٧ و١٣ و٢٦ و٧٣ و٨٠ و٩٣ و١١٧ و١٣٢ و١٤٥ و١٩٢ و٢١٤ و٢٢٨ و٢٥٩ و٢٧٣ و٣٠٠ و٣٢٧ و٣٣٩ و٣٤٢ و٣٤٣ و٣٤٦ و٣٦٣ و٤١٥ و٤٢٦ و٤٣٦ و٤٥٣ و٤٦٥ و٤٧٣ و٤٧٨ و٥٦٥ و٦٢٨ و٦٣٥ و٦٣٧). وغيرها مما سيأتي إن شاء الله تعالى التنبيه عليه أيضًا في هذا المجلد والمجلد الثاني.
والرقم الأول منها (١٣) يمثل نوعًا خاصًا من جهالاتهم، ذلك لأن المؤلف ساق حديثه عن أبي هريرة في الرياء مطولًا، مشيرًا لضعفه، ثم قال:
1 / 14
"ورواه مختصرًا من حديث ابن عمر، وقال: حديث حسن".
ومع أن هذا ضعيف أيضًا كما ستراه مبينًا هناك، فقد شملهما الجهلة بالتحسين، فقالوا:
"حسن، رواه الترمذي … عن أبي هريرة … وعن ابن عمر"!!
٦ - ومن ذلك أنهم يقفون على تصحيح المؤلف للحديث ومتابعةِ مثلِ الهيثمي له، فيخالفون، ويقولون: "حسن"؛ دون أي بيان كعادتهم، وذلك من تحفظاتهم التي تنبئ الباحث أنهم يَشْعُرون بجهلهم بهذا العلم، فيتوسطون هم بين من صحح ومن يكون قد وقف على من ضعف أو يحتمل، والواقع أنهم هم مخطؤون في التحسين، مثاله الأثر الآتي عن ابن مسعود: أن "من لم يزكَّ فلا صلاة له"! رقم (٤٦٥)، ونحوه رقم (٦٥٥).
٧ - ومنها أنهم يخلطون مع الصحيح من الحديث ما لم يصح منه، فانظر الأمثلة في الأرقام (٢٠٨ و٤٨٩ و٥٠١ و٥٦٩ و٥٨٣ و٦٤٢).
٨ - ونحوه خلطهم بين ما هو ضعيف من الحديث، وما هو ضعيف جدًا، فيطلقون عليهما كليهما: "ضعيف"! وقد ينقلون عقبه من كلام بعض الحفاظ ما ينقضه، وقد يكون الحديث موضوعًا!! فانظر إن شئت بعض الأرقام: (١١٤ و٤٨٤ و٥٨٦ - ٥٨٧ و٥٨٧ - ٥٨٨ و٦١٥ و٦٤٥ و٦٦٤ و٦٧٥ و٦٧٧).
٩ - ومن آفاتهم تقليدهم الأعمى، الذي لا يصحبه أي بحث أو تحقيق، الذي لا يعجز عنه أجهل الناس، والصفحات التالية تشير إلى بعض الأمثلة: (٢١ و٣٨ و٩٥ و١٠٨ و١١١ و١١٩ و١٢٣ و١٢٦ و١٤١ و٢٢٧ و٣٠٤ و٣١٠ و٣٢١ و٣٣٥).
1 / 15
١٠ - أنواع أخرى مختلفة من جهالاتهم وخبطاتهم في الفقه، والحديث والرواة والشواهد، واللغة، والمؤلفات، وخلطهم بين ما صح من القصص وما لم يصح، فانظر الصفحات التاليات: (٢٢ و٢٩ و٣١ و٩٨ و١١٠ و١٢٤ و٢١٧ و٢٢٢ و٢٧٩ و٢٨٥ و٢٨٦ و٣١٠ و٣١٣ و٣٢٣ و٣٢٤ و٣٣٣ و٣٣٥).
١١ - وختامًا أقول:
لو أن هؤلاء الجهلة كان عندهم شيء من العلم يقدمونه إلى القراء في تعليقهم على الكتاب لنفَّذوا ما تعهدوا به في مقدمته الشطر الأول من قولهم فيها (صفحة ٧):
"تحقيق النصوص وسلامتها … والحكم على أحاديث غير الصحيحين"، ولكانوا صادقين مع أنفسهم في قولهم (صفحة ٢١):
"وإنّ حرصنا الشديد على تخريج أحاديث الكتاب وعزوها إلى مصادرها قد أفادنا كثيرًا في الوصول بنص الكتاب إلى ما أراده المؤلف ﵀، أو قريبًا منه، والتخلص من تصحيفات النساخ وتحريفاتهم"!
ولكن الواقع يدل -مع الأسف الشديد- أنهم لم يكونوا عند حسن الظن بهم، ولم يفوا بما تعهدوا به، فلم يستفيدوا من التخريج ولا أفادوا القراء شيئًا مما زعموه من التحقيق والوصول … مع أنه أيسر ما يكون، فقد وقع في مطبوعتهم كثير جدًا من الأخطاء والسقط في متون الأحاديث وغيرها، مما يصعب إحصاؤه وتتبعه، فلنقنع بضرب من الأمثلة تؤكد ما ذكرت، ونحيل في سائرها التي تيسرت لي إلى أرقامها ليرجع إليها من شاء من القراء أن يأخذ فكرة عامة
1 / 16
عنها، مما وقع لهم في هذا الجزء الأول، ويقيس عليها ما لهم من هذا النوع وما قبله فيما يأتي من الأجزاء التالية:
الأول: سقط من حديث أبي أمامة رقم (١٢١) جملتان من "الترغيب" لم يستدركوهما مع فساد المعنى بسقوط أحدهما، وعزوهم إياه لأحمد بالجزء والصفحة!!
والآخر: سقط آخر من حديث عثمان رقم (٣٩٨) جملة بكاملها قدر سطر، مفسدة للمعنى أيضًا، مع أنهم عزوه لـ "مجمع الزوائد" ولابن السني، بالأرقام أيضًا، وهي فيهما!!
وانظر الأرقام التالية تحتها نماذج أخرى مختلفة تؤكد إخلالهم بالتحقيق الذي زعموه مع يسره! (رقم ١٣ و٢١ و٤٦ و٧٣ و٨٤ و٢٢٣ و٢٢٤ و٢٦٧ و٢٧٢ و٢٩٤ و٣١٨ و٣٥١ و٣٥٣ و٤٣٣ و٤٥٣ و٤٦٠ و٥١٩ و٥٧٢ و٦٦٣ و٦٧٣).
هذا ما تيسر التنبيه عليه فيما يتعلق بمنهجي في هذا الكتاب، وما يؤخذ على المنذري ﵀ من أمور وأوهام وقعت له في أحاديثه، والرد على أولئك الجهلة -هداهم الله- بذكر نماذج من جهالاتهم التي وقعت لهم؛ تحذيرًا لقرائهم، ونصحًا لهم لعلهم يعودون إلى رشدهم، ويتوبون إلى ربهم، ويصبرون على الاستمرار في طلب العلم، حتى يتأهلوا لتقديمه لغيرهم، يبتغون به وجه الله ﵎، ولسان حالهم -على الأقل- يقول: ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾، وإلا فقد علم كل ذي عقل ولب: أن (فاقد الشيء لا يعطيه)، وأن
1 / 17
(من استعجل الشيء قبل أوانه، ابتلي بحرمانه)، والله ﷿ يقول: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
أسأل الله تعالى أن يسدد خطانا، وأن يزيدنا علمًا، وعملًا صالحًا، وأن يجعله لوجهه خالصًا، وأن لا يجعل لأحد فيه شيئًا.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا اله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
عمان الأردن / ٢٢ ربيع الأول / ١٤١٨ هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني
1 / 18
[١ - كتاب الإخلاص] (^١)
١ - (الترغيب في الإخلاص والصدق والنية الصالحة)
١ - (١) [ضعيف] وعن أنسِ بن مالكٍ عن رسول الله ﷺ قال:
"من فارقَ الدنيا على الإخلاصِ لله وحدَه لا شريكَ له، وأقامَ الصلاةَ، وآتى الزكاةَ؛ فارقها واللهُ عنه راضٍ".
رواه ابن ماجه، والحاكم وقال:
"صحيح على شرط الشيخين" (^٢).
٢ - (٢) [ضعيف] وعن معاذِ بن جبلٍ؛ أنه قال حي بُعث إلى اليمن:
يا رسول الله! أوصني. قال:
"أخلص دينَك؛ يَكْفِكَ العملُ القليل".
رواه الحاكم من طريق عبُيد الله بن زَحْرٍ عن ابن أبي عمران وقال:
"صحيح الإسناد". كذا قال (^٣).
٣ - (٣) [موضوع] ورُوي عن ثوبانَ قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول:
"طوبى للمخلِصين، أولئك مصابيحُ الهدى، تَنجلي عنهم كلُّ فتنةٍ ظَلماءَ".
_________
(^١) هذا العنوان زيادة من "مختصر الترغيب" للحافظ ابن حجر العسقلاني.
(^٢) قلت: ليس في "المستدرك"، (٢/ ٣٣٢): "على شرط الشيخين". وفيه أبو جعفر الرازي، وهو ضعيف!
(^٣) يشير إلى أن (عبيد الله بن زحر) ضعيف، وبه تعقب الذهبي الحاكم، وهو مخرج في "الضعيفة" (٢١٥٩).
1 / 19
رواه البيهقي.
٤ - (٤) [ضعيف موقوف] وعن عُبادة بن الصامتِ ﵁ قال:
يجاءُ بالدنيا يومَ القيامة فيقالُ: مِيزوا ما كان منها لله ﷿، فيُمازُ، وُيرمى سائرُه في النارِ.
رواه البيهقي عن شهر بن حوشب عنه موقوفًا.
٥ - (٥) [ضعيف موقوف] ورواه أيضًا عن شهرٍ عن عَمرو بن عَبَسَةَ ﵁ قال:
إذا كان يومُ القيامة جيءَ بالدنيا فَيُميَّزُ منها ما كان لله، وما كان لِغَيرِ الله رُميَ به في نارِ جَهنمَ.
موقوف أيضًا.
قال الحافظ:
"وقد يقال: إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، فسبيله سبيل المرفوع" (^١).
٦ - (٦) [ضعيف] ورُوي عن ابن عباسٍ؛ أن رسول الله ﷺ قال:
"من أخلصَ لله أربعينَ يومًا، ظهرتْ يَنابيعُ الحكمةِ من قلبهِ على لسانهِ".
ذكره رَزين العَبْدري (^٢) في "كتابه" ولم أره في شيء من الأصول التي جمعها، ولم
_________
(^١) قلت: نعم هو كذلك لو ثبت.
(^٢) هو رَزين بن معاوية العبدَري أبو الحسن الأندلسي السرقطي توفي سنة (٥٣٥)، وكتابه الذي أشار إليه المؤلف هو "تجريد الصحاح الستة" وقع فيه كثير من الأحاديث التي لا أصل لها في الكتب الستة ولا في غيرها أيضًا، وقد أشار إلى ذلك المؤلف هنا، وفيما يأتي من المواضع، وراجع الحديث (٢٠٧) من كتابي "الأحاديث الضعيفة". وسيأتي التنبيه على غيره في هذا "الضعيف"، وفي "صحيح الترغيب"، ولهذا قال الذهبي في ترجمته من "السير" (٢٠/ ٢٠٥): "قلت: أدخل في كتابه زيادات لو تنزه عنها لأجاد".
و(رَزين) بفتح الراء، و(العبدري) نسبة إلى (عبد الدار).
1 / 20
أقف له على إسناد صحيح ولا حسن. إنما ذكر في كتب "الضعفاء" كـ "الكامل" وغيره، ولكن رواه الحسين بن الحسن المروزي في "زوائده" في "كتاب الزهد" لعبد الله بن المبارك (^١) فقال: حدثنا أبو معاوية: أنبأنا حجاج عن مكحول عن النبي ﷺ فذكر مرسلًا.
وكذا رواه أبو الشيخ ابن حَيّان (^٢) وغيره عن مكحول مرسلًا. والله أعلم.
٧ - (٧) [ضعيف] ورُوي عن أبي ذرٍ؛ أن رسول الله ﷺ قال:
"قد أَفلحَ من أخلصَ قلْبَه للإيمان، وجعل قلبَه سليمًا، ولسانَهُ صادقًا، ونفسَه مطمئنةً، وخَليقتَهُ مُستقيمةً، وجعلَ أُذُنَهُ مُستمعةً، وعينَهُ ناظِرَةً، فأَما الأُذُنُ فَتَعي، والعينُ مُقِرَّةٌ بما يُوعي القلبُ، وقد أفلحَ من جَعَلَ قلبَه واعيًا".
رواه أحمد والبيهقي، وفي إسناد أحمد احتمال للتحسين (^٣).
قال الحافظ عبد العظيم ﵀:
"وسيأتي أحاديث من هذا النوع متفرقة في أبواب متعددة من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى".
_________
(^١) هذا هو الصواب في العزو، وأما الجهلة فقالوا: "رواه ابن المبارك في "الزهد" (١٠١٤) .. "، وكذبوا لبالغ جهلهم، فهم لا يفرقون بين "الزهد" لابن المبارك، وبين "زوائده" للحسين بن الحسن المروزي، هذا مع تصريح المؤلف بالتفريق بينهما، فالقائل: "حدثنا أبو معاوية .. " هو المروزي، وليس ابن المبارك، وفيه: "أخبرنا" مكان "حدثنا".
(^٢) بفتح الحاء المهملة والياء المثناة من تحت مشددة. ووقع في الكتاب هنا وفي كل مكان جاء ذكره بالموحدة، وفي جل النسخ المطبوعة التي وقفت عليها.
(^٣) قلت: بل هو حسن لولا أنه منقطع بين خالد بن معدان وأبي ذر، وقد غفل الهيثمي أيضًا عن هذه العلة فصرح بتحسينه، وقلده المعلقون الثلاثة في طبعتهم المزخرفة، فحسنوه! وقد أخرجت الحديث لهذه العلة في "الضعيفة" (٤٩٨٥).
1 / 21
٢ - (الترهيب من الرياء، وما يقوله من خاف شيئًا منه)
٨ - (١) [ضعيف] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال:
قلت: يا رسول الله! أخبرني عن الجهاد والغزو؟ فقال:
"يا عبد الله بنَ عَمرو! إن قاتلتَ صابرًا محتسبًا؛ بعثكَ اللهُ صابرًا محتسبًا، وإن قاتلتَ مُرائيًا مكاثرًا، بَعثك الله مرائيًا مكاثرًا، يا عبد الله بنَ عمرو! على أي حال قاتلتَ، أو قُتِلتَ؛ بَعثك الله على تلك الحال".
رواه أبو داود (^١).
قال الحافظ:
"وستأتي أحاديث من هذا النوع في باب مفرد في "الجهاد" [١٢/ ١٠] إن شاء الله تعالى".
٩ - (٢) [ضعيف] وعن ابن عباسٍ ﵄ قال:
قال رجلٌ: يا رسولَ الله! إني أقفُ الموقفَ أُريدُ وجهَ اللهِ، وأريدُ أن يُرى موطني؟ فلم يَرُدَّ عليه رسولُ اللهِ ﷺ حتى نزلت: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.
رواه الحاكم وقال: "صحيح على شرطهما"، والبيهقي من طريقه، ثم قال:
"رواه عبدان عن ابن المبارك فأرسله، لم يذكر فيه ابن عباس" (^٢).
_________
(^١) قلت: في إسناده جهالة، وقد خرجته في "ضعيف أبي داود" (٤٣٤).
(^٢) يشير البيهقي إلى إعلاله بالإرسال، وهو الصواب، وتصحيح الحاكم إياه من أوهامه الفاحشة، وبخاصة أن في إسناده الموصول (نعيم بن حماد)، وهو ضعيف، وقد خالفه (عبدان) فأرسله، وعبدان ثقة. ومن جهل المعلقين الثلاثة، أنهم عزوه للحاكم والبيهقي مرسلًا، وهو عندهما موصول عن ابن عباس! ثم توسطوا فقالوا: "حسن"! فلا هم صححوه كالحاكم، ولا هم ضعفوه كالبيهقي، وجل تعليقاتهم هكذا؛ أنصاف حلول!!
1 / 22