أما بياتريس فلم يجد المحققون إلى حملها على الاعتراف سبيلا، فوعدوا وأوعدوا وعذبوها ما شاءوا أن يعذبوا وهي لا تلين ولا تعترف، حتى عجب من ثباتها القاضي عولس موسكاتي، وكان من أشهر قضاة زمنه في التحقيق، فكان لا يتحصل على كلمة من فيها لا تريد أن تبديها، ولما يئس منها لم يشأ أن يتحمل مسئولية هذه القضية على عاتقه، فرفع أمرها إلى البابا كليمنتوس الثامن، وخشي البابا أن يكون جمال بياتريس أثر على نفس القاضي، فجعله يشفق عليها عند التعذيب والسؤال، فعهد بالقضية إلى قاض آخر مشهور بشدته وقساوته.
وأعاد القاضي الثاني التحقيق من بدئه، ورأى أن بياتريس لم تعذب إلا العذاب العادي، فأمر بأن تعذب العذاب العادي وغير العادي، وكان أشد هذا العذاب عذاب الحبل، وهو أغرب ما اخترعه ابن آدم، ونأتي هنا ببيان أنواع العذاب عند أهل روما في ذلك العصر من التاريخ، فنقول:
كان بروما طرق كثيرة للتعذيب أشهرها عذاب الأظافر، وعذاب النار، وعذاب السهر، ثم عذاب الحبل.
فأما عذاب الأظافر فكان أخفها، وكانوا يستعملونه عادة للمجرمين الأحداث والشيوخ؛ وبيانه: أنهم كانوا يدخلون بين أظافر المجرم وأصابعه قطعا من الغاب حادة الأطراف.
أما عذاب النار فكان استعماله شائعا قبل اختراع عذاب السهر، فكانوا يجعلون أقدام المجرم أمام موقع من النار المستعرة تلفحها بلهيبها.
أما عذاب السهر فكانوا يجلسون له المجرم على قائمة حادة الزاوية ويشدون إليها أطرافه، ثم يوكلون به رجلين يبدلون كل خمس ساعات، فينبهانه كلما استولى عليها النعاس، ويمنعانه بذلك من النوم، قال مخترع ذلك الصنف من العذاب وهو مارسيليوس: «ما شاهدت مجرما امتنع بعد هذا العذاب عن الاعتراف.» ولكن نقل فارنياتشي أنه لاحظ أن خمسة في المائة من المعذبين به يأبون الاعتراف، وكفى بذلك فخرا بل دليلا على قساوة مخترع هذا العذاب الجهنمي.
أما عذاب الحبل، فكان أشهر هذه الأنواع، وكان معروفا بفرنسا أيضا، وقد قسموه إلى ثلاث درجات: العذاب الخفيف والعذاب الشديد والعذاب الأليم.
فأما الدرجة الأولى منه، فهي التهديدية؛ حيث يقودون المجرم إلى غرفة العذاب، وينزعون عنه ملابسه، ثم يطرحون عليه الحبال كأنهم يريدون شد وثاقه بها، وكانوا يشدون الحبال فعلا إلى الرسغ فيؤلمون المعذب. وكانت هذه الدرجة كافية عادة لحمل النساء وضعاف القلوب من الرجال على الاعتراف.
أما الدرجة الثانية وهي العذاب الشديد، فكانوا يربطون لها يدي المجرم من رسغيها وراء ظهره، ثم بعد نزع ملابسه عنه يمرون الحبل من خلفه من سقف المكان، فيشد القائم بالعمل الحبل، فيرتفع المجرم عن سطح الأرض أو ينخفض حسب مشيئة المحقق، وكانوا عادة يتركونه معلقا مسافة تلاوة صلاة، فإن أصر على الإنكار ضاعفوا له الزمن، وكانت هذه الدرجة من العذاب لا تستعمل إلا إذا كان وقوع الجريمة محتملا لا مثبوتا، وإليها تنتهي درجات العذاب العادي.
أما الدرجة الثالثة، وهي العذاب الأليم وبداية العذاب غير العادي، فكانوا يتركون فيها المجرم معلقا بين الأرض والسقف مسافة تختلف بين ربع ساعة وساعة، ثم يهزونه وهو معلق أو يرخون الحبل فجأة فيسقط، ثم يشدونه فجأة قبل أن يصل جسم المجرم إلى الأرض، فإذا ما زال المجرم مصرا على الإنكار وقد انفكت مفاصله، وضعوا له أثقالا في قدميه ليزيدوه ألما وعذابا.
صفحة غير معروفة