46

دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية

الناشر

مكتبة ابن تيمية - القاهرة

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م

مكان النشر

توزيع

تصانيف

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ مِنْ أَصْلِهِ مَعْدُومًا لِأَنَّهُ إِذَا عَدِمَ تَحَقَّقَ عَدَمُ اتِّصَافِهِ بِالْمَحْمُولِ الْمَوْجُودِيِّ، لِأَنَّ الْعَدَمَ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُودِ كَقَوْلِكَ: لَا نَظِيرَ لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ، فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ الَّذِي هُوَ النَّظِيرُ لَيْسَ مُسْتَحِيلًا مِنْ أَصْلِهِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُهُ تَحَقَّقَ انْتِفَاءُ اتِّصَافِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ ضَرُورَةً وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: عَلَى لَاحِبٍ لَا يَهْتَدِي بِمَنَارِهِ ... إِذَا سَافَهُ الْعَوْدُ النُّبَاطِيُّ جَرْجَرَا لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى لَاحِبٍ لَا مَنَارَ لَهُ أَصْلًا حَتَّى يُهْتَدَى بِهِ. وَقَوْلُ الْآخَرِ: لَا تُفْزِعُ الْأَرْنَبَ أَهْوَالُهَا ... وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرْ لِأَنَّهُ يَصِفُ فَلَاةً بِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا أَرَانِبُ وَلَا ضِبَابٌ حَتَّى تُفْزِعَ أَهْوَالُهَا الْأَرْنَبَ، أَوْ يَنْجَحِرَ فِيهَا الضَّبُّ أَيْ يَدْخُلُ الْجُحْرَ أَوْ يَتَّخِذُهُ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ مَسْأَلَةَ أَنَّ السَّالِبَةَ لَا تَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ فِي أُرْجُوزَتِي فِي الْمَنْطِقِ فِي مَبْحَثِ انْحِرَافِ السُّوَرِ، وَأَوْضَحْتُ فِيهَا أَيْضًا فِي مَبْحَثِ التَّحْصِيلِ وَالْعُدُولِ أَنَّ مِنَ الْمُوجِبَاتِ مَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ نَحْوَ: بَحْرٌ مِنْ زِئْبَقٍ مُمْكِنٌ، وَالْمُسْتَحِيلُ مَعْدُومٌ فَإِنَّهَا مُوجِبَتَانِ وَمَوْضُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْدُومٌ، وَحَرَّرْنَا هُنَاكَ التَّفْصِيلَ فِيمَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ وَمَا لَا يَقْتَضِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَلَوْ بَعْدَ تَكَرُّرِ الرِّدَّةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرَ، لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، لِأَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ [[لا في نفس المناط، والمتناظران قد يختلفان في تحقيق المناط]] (*) مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الْمَنَاطِ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْمَنَاطَ مَكَانُ النَّوْطِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ ﵁: وَأَنْتَ زَنِيمٌ نِيطَ فِي آلِ هَاشِمٍ ... كَمَا نِيطَ خَلْفَ الرَّاكِبِ الْقَدَحُ الْفَرْدُ

1 / 48