دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
الناشر
مكتبة ابن تيمية - القاهرة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م
مكان النشر
توزيع
تصانيف
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: «مُتَوَفِّيكَ» لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ قَدْ مَضَى وَهُوَ مُتَوَفِّيهِ قَطْعًا يَوْمًا مَا، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَدْ مَضَى، وَأَمَّا
عَطْفُهُ: «وَرَافِعُكَ» إِلَى قَوْلِهِ: «مُتَوَفِّيكَ»، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِإِطْبَاقِ جُمْهُورِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَلَا الْجَمْعَ، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي مُطْلَقَ التَّشْرِيكِ.
وَقَدِ ادَّعَى السِّيرَافِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ إِجْمَاعَ النُّحَاةِ عَلَى ذَلِكَ، وَعَزَاهُ الْأَكْثَرُ لِلْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الْحَقُّ. خِلَافًا لِمَا قَالَهُ قُطْرُبٌ وَالْفَرَّاءُ وَثَعْلَبٌ وَأَبُو عُمَرَ وَالزَّاهِدُ وَهُشَامٌ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِيهِ.
وَقَدْ أَنْكَرَ السِّيرَافِيُّ ثُبُوتَ هَذَا الْقَوْلِ عَنِ الْفَرَّاءِ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِهِ.
وَقَالَ وَلِيُّ الدِّينِ: أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا نِسْبَةَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى الشَّافِعِيِّ، حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ.
وَقَوْلُهُ ﷺ: ابْدَأْ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ يَعْنِي الصَّفَا لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى اقْتِضَائِهَا التَّرْتِيبَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ هُوَ مَا قَالَهُ الْفِهْرِيُّ كَمَا ذَكَرَ عَنْهُ صَاحِبُ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ وَهُوَ أَنَّهَا كَمَا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَلَا الْمَعِيَّةَ فَكَذَلِكَ لَا تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُمَا، فَقَدْ يَكُونُ الْعَطْفُ بِهَا مَعَ قَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِالْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ [٢ ١٥٨] . بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْطُوفُ بِهَا مُرَتَّبًا كَقَوْلِ حَسَّانَ:
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا ... وَأَجَبْتُ عَنْهُ
عَلَى رِوَايَةِ الْوَاوِ وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْمَعِيَّةُ كَقَوْلِهِ: فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ [٢٩ \ ١٥]، وَقَوْلِهِ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [٧٥ \ ٩]، وَلَكِنْ لَا تُحْمَلُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَلَا عَلَى الْمَعِيَّةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى «مُتَوَفِّيكَ» أَيْ: مُنِيمُكَ «وَرَافِعُكَ إِلَيَّ»،
1 / 41