ويرضينا أن نعتقد أن بلالا نفسه قد أدى الأذان على نحو يشبه أداءه المسموع في مصر الحديثة كما سجله فيلوتو
Villoteau ، وهو أنغام تذكر السامع برسوم العمارة العربية وتنقسم إلى أجزاء وأجزاء، مما يقع موقع الغرابة في تأثيره على مسامع الغربيين.
وقد كان المؤذن الذي سمعه فيلوتو أقرب إلى التفنن من المؤذن الذي سجل لين
Lane
نغماته في كتابه عن المصريين المحدثين، فإذا بها تنتهي وفي السمع انتظار لبقية تالية ... ولعلنا نؤثر أن يكون تلحين بلال من قبيل ذاك الأذان لما فيه من تجزئة النغم التي يألفها العرب وتشبه تلك الخفايا المستغربة في الأصداء الأفريقية. إلا أن النغم الآخر مع هذا يعبر عن بساطته عن جمال ووقار، ويوحي إلى معنى العبادة الخالدة التي لا نهاية لها والتي هي أبدا في ابتداء بغير ختام، كما يوحي إلى صلاة معلقة تتصل بما بعدها ولو كانت هي آخر صلاة.
تعقيب
من الصفحات التي مرت بنا - مترجمة من الإنجليزية عن الكاتب الألمعي لفكاديوهيرن - يتبين للقارئ منزعه الأدبي في الكتابة والتصوير. وهو على الأغلب منزع الخيال والمجاز والعطف على الحياة الشرقية التي تمتزج بتواريخ الروحيات والدينيات على الإجمال، وهو مع تحقيقه في مراجعة المصادر التي اعتمد عليها لم يخل من هفوة هنا أو هناك لا يعيبها سوء النية الذي تشف عنه أقوال الكثيرين من المستشرقين، وإنما يوقعه في الخطأ حب المجاز أو الاسترسال في صقل موضوعه وتجميل صورته، فلا يستغني هذا المقال الممتع الذي حيا به ذكرى المؤذن الأول عن تعقيب نصحح فيه من مقاله ما يحتاج إلى التصحيح أو الاستدراك.
فمن هفواته العرضية إشارته إلى «عقب» بلال رضي الله وليس له عقب، كما ورد في ابن هشام نصا، وكما يفهم من السكوت عن ذكر بنين له أو بنات في كل ما قرأناه عنه.
ومن هذه الهفوات العرضية اعتقاده أن أبا رويحة كان أخا لبلال من أبويه أو من أحدهما، وهو على أرجح الأقوال أخوه في الإسلام على سنة المؤاخاة التي كان النبي (صلوات الله وسلامه عليه) يعقدها بين الصحابة من أنصار ومهاجرين.
غير أن هفوته الظاهرة هي مذهبه في تعليل كثرة المغنين والمغنيات بين الموالي في بلاد العرب وقلتهم بين أبناء البلاد الأصلاء، فإنه يجنح في كلامه إلى تعليل هذه الكثرة بنقص في الأداة الصوتية، أو في القدرة الفنية عند العربي الأصيل، وأن الموالي والجواري من السود والأحباش سلموا من هذا النقص فكثر اشتغالهم بفن الغناء في الحجاز ثم في غيره من الأقطار الإسلامية.
صفحة غير معروفة