( 1) أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلاني -رضي الله عنه- أحد الائمة المجتهدين البارعين الذين جابوا الأقطار وسبروا أغوار الأمم وبحثوا في حقائق كتاب الله وفسروه ، وتفسيره -رحمه الله -لم ينسج على منواله ذلك العصر مع أنه عصر التدوين والنبوغ ، ذكر أنه في سبعين جزءا جمع فيه من العلوم ما لم يذكره غيره ، غير أنه تلاشى في تلك الحروب الداخلية التي منيت بها الأمة الأسلامية حينا من الدهر وفتوح المغرب وترجمة رجال الإباضية ، ذكر لنا أحد الأساتذة أنه اطلع عليه في كلية بأوروبا وأظن بألمانيا وكتاب الدليل في أصول الدين وغيرها من التآليف المنبئة عن مقدار تضلعه في العلوم، وكان من كبار المنجمين ، قرأ بقرطبة ونبغ فيها في علوم اللسان والحديث والتنجيم والتفسير والفلسفة وغيرها من العلوم وعاد إلى وطنه وهو من العلماء العظماء والفلاسفة الأعلام الذين هم خصب القلوب ونور العقول، وكان معدودا عند علماء أوروبا في تراجم الرجال الأفريقيين الذين يشار إليهم بالبنان رحل إلى السودان إلى خط الاستواء لمشاهدة تلك الأمم والاطلاع على أحواله واكتشاف ذلك الإقليم الغميض والبحث عن اعتدال الليل والنهار، ولا جرم أنه العالم الوحيد الذي عنى بهذا الاكتشاف في القرن السادس، مما يدلنا على علو كعبه وسعة عقله، واعتناء المسلمين بالاكتشاف في القرون الأولى عكس ماما يتمشدق به الأوروبيون من اعتنائهم بالاكتشاف واجتلاء الحقائق دون المسلمين وهم لم يعتنقوا بذلك إلا منذ أربعة قرون تقريبا، ولم يكتشفوا الراب الذي يعرفه المسلمون ويقرؤونه في القرآن إلا في القرن التاسع عشر ولم يكتشفوا منطقة خط الاستواء إلا حوالي القرن السابع عشر وهكذا كان الفضل في إبانة الحقائق لعلماء المسلمين ، وكان- رحمه الله- كيمياويا واغترف من سائر مناهل الفنون وفاز بالقسط الأوفر فحاز قصب السبق بين أقرانه توفي -رضي الله عنه- وأسكنه بحبوحة الفردوس في أواسط القرن السادس بمسقط رأسه جزاه الله عن العلم والإسلام أحسن جزاء ونفعنا بتآليفه .
بعد أن عني به المحققون منهم البدر الشماخي(1) -رحمه الله- وضياء الدين عبد العزيز الثميني (2) شرحه شرحا وافيا كشف فيه عن غوامضه وأظهر سر الفلسفة الصحيحة وسر العالم العلوي ونوه بفحول هذا الفن . وأيم الله إن هذا الشرح من النفاسة بمكان إلا أنه لم يتمه -رحمه الله- .
(1) هو العلامة المحقق نادرة زمانة الغزير المادة بدر الدين الشيخ أحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي- رضي الله عنه- ، أحد المؤلفين في كثير من الفنون والذين أبرزوا نتائج قرائحهم للقاصي والداني وكشفوا غوامض المشكلات وأزاحوا الشبهات ، يعلم من طالع كتبه مقدار تضلعه وما أوتيه من الحكمة وسعة المعلومات .
صفحة ٢١