القرية وموتاها فتعجب من كثرة حملها وفناء أهلها (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها) ولم يشك في البعث لكنه أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتي ليزيد علمه بقدرته، فلما تكلم عزير بذلك نام في ذلك الموضع (فأماته الله) أي ألبثه ميتا (مائة عام) فليس ظرفا ل «أماته» «1»، بل هو ظرف ل «ألبثه»، لأن الإماتة تقع في أيسر زمان وأمات حماره أيضا (ثم بعثه) أي أحياه الله في آخر النهار وقد أماته أوله فقام حيا، ثم «2» سمع صوتا (قال كم لبثت) يا عزير في نومك (قال لبثت يوما) لما رأى بقية من الشمس وظن أنها من اليوم الذي نام فيه من أول النهار (أو بعض يوم) لأنها لم تغرب بعد (قال) لعزير (بل لبثت مائة عام) يعني كنت ميتا هذه المدة ثم أمره «3» بالنظر ليعتبر فقال (فانظر إلى طعامك) أي التين أو العنب (وشرابك) أي العصير الذي في الزق (لم يتسنه) أي لم يتغير من مر السنين، يقال: سانهت رجلا «4» إذا عاملته سنة، فالهاء أصلية أو الهاء بدل من الواو المحذوفة، أصله سنو، قرئ باثبات الهاء وبحذفها معا وصلا، وبحذف الهاء في الوصل والقطع وباثبات الهاء في القطع، وبحذفها في الوصل «5»، فنطر فرأى كل واحد منهما ما تركه بحسنه، ثم ناداه ثانيا وقد مات حماره وبقي عظاما فقال (وانظر إلى حمارك) فنظر وقد بلى فأحيا حماره بعد رؤيته باليا، فاذا هو قائم ينهق فخر عزير ساجدا، فقال المنادي: فعلنا ذلك لتعلم قدرتنا (ولنجعلك آية) أي عبرة (للناس) وللدلالة على البعث، لأن أولاده صارت شيوخا وهم كانوا شبانا، ثم قال (وانظر إلى العظام) أي عظام الموتى أو الحمار (كيف ننشزها) بالزاء المعجمة، أي كيف نضم بعضها ببعض للتركيب، نفخ الروح فيها، والنشز التحرك والارتفاع وبالراء «6» من النشور وهو الإحياء (ثم نكسوها) أي نلبسها، أي العظام (لحما) كاللباس على العريان، فنفخ الروح فعادت العظام حية كهيئتها الأولى (فلما تبين) أي ظهر (له) أي لعزير احياء الموتى (قال) عزير (أعلم) بقطع الهمزة ورفع الفعل مخبرا عن نفسه وبوصل الهمزة بجزم الفعل «7» آمرا لنفسه أو أمرا مقولا من الله له «8» بالعلم اليقين (أن الله على كل شيء قدير) [259] من الإحياء والإمانة وغيرهما.
[سورة البقرة (2): آية 260]
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (260)
(وإذ قال إبراهيم) أي اذكر وقت قوله (رب أرني) بكسر الراء وسكونها «9» (كيف تحي الموتى) لأزداد بصيرة في إيماني، وقيل: سأله قوم نمروذ كيف يحيي ربك الموتى، فأراد أن يري ذلك من الله حتى يخبرهم «10» بما رأى من المعاينة «11»، وقيل: «رأى على ساحل البحر جيفة، يأكل منها دواب البحر ودواب البر، ويتفرق «12» أجزاؤها في بطونهما فوقع في قلبه أن يعلم كيف يجمعها الله تعالى» «13» (قال) ربه (أولم تؤمن) يا إبراهيم بأنى أحيي الموتى (قال) إبراهيم (بلى) قد صدقت أنك تحيي الموتى (ولكن) سألت (ليطمئن) أي ليسكن (قلبي) فيصير «14»
صفحة ١٢٨