(لفسدت الأرض) أي لهلك أهلها بقتل المسلمين وظهور الشرك والمعاصي، وقيل: لو لا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار لهلكت الأرض بما فيها بسخط الله «1»، روي عن الحسن رضي الله عنه: «لو لا الصالحون لهلك الطالحون» «2»، وقال النبي عليه السلام: «إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء» «3» (ولكن الله ذو فضل) أي ذو من (على العالمين) [251] أي على أهل الأرض بالدفع عنهم.
[سورة البقرة (2): آية 252]
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين (252)
(تلك) أي الأخبار التي ذكرت من خبر الألوف إماتة وإحياء ومن تمليك الله طالوت وإظهاره بآية التابوت الذي أتي به من الغيب «4» ومغلوبية الجبابرة عن يد «5» صبي وهو داود (آيات الله نتلوها) بجبرائيل (عليك بالحق) أي ملابسا بالصدق ولا يشك فيه أهل الكتاب، لأنه مكتوب في كتبهم (وإنك لمن المرسلين ) [252] حيث تخبر بها من غير أن تعرف بقراءة كتاب أو سماع خبر، وهو من المعجزات الدالة على توحيد الله ورسالتك.
[سورة البقرة (2): آية 253]
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (253)
(تلك الرسل) أي جماعة الأنبياء الذين ذكروا في هذه السورة أو الذين ثبت علمهم عند الرسول (فضلنا) بلطفنا لا بعملهم الخير (بعضهم على بعض) في الدنيا (منهم من كلم الله) كموسى عليه السلام من غير سفير فهو كليمه بمعنى مكالمه (ورفع بعضهم) أي محمدا عليه السلام، ولم يذكره باسمه تعظيما له (درجات) لأنه ليس بشيئ «6» من الآيات التي أعطاها الله تعالى الأنبياء إلا وقد أعطي محمدا عليه السلام أكثرها وأكبرها القرآن الذي ثبت إعجازه على مرور الأزمان وهو محرز قصبات الفضل على سائر الأنبياء اللهم ارزقنا شفاعته يوم القيامة (وآتينا عيسى ابن مريم البينات) أي العجائب والدلائل الواضحات كاحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وإنما خص «موسى» و «عيسى» من بين الأنبياء بالذكر في باب التفضيل، لأنهما قد أوتيا ما أوتيا من عظام الآيات والمعجزات (وأيدناه بروح القدس) أي قوينا عيسى بجبرائيل حين أرادوا قتله، والقدس هو الله، أضيف إليه تشريفا له، وقيل: معناه أحييناه بحياة الله لا من ماء المني «7» (ولو شاء الله) مشية قسر (ما اقتتل الذين من بعدهم) أي بعد الرسل وأبدل منه قوله (من بعد ما جاءتهم البينات) أي بعد مجيئهم بالبينات التي يهتدي بها (ولكن اختلفوا) في دينهم بعد ذهاب الرسل (فمنهم من آمن) أي ثبت على الإيمان (ومنهم من كفر) أي ارتد ولم يثبت عليه، ثم قال (ولو شاء الله ما اقتتلوا) بالتكرير تأكيدا أي لجمعهم «8» على الهدى (ولكن الله يفعل ما يريد) [253] من عصمة البعض وخذلان البعض، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
[سورة البقرة (2): آية 254]
يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون (254)
ثم أشار إليهم بأن الدنيا لا تبقى ولا ينفعهم منها إلا ما قدموه إلى الآخرة إن آمنوا بها (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا) أي تصدقوا (مما رزقناكم) شيئا، قيل: هو الزكوة «9»، وقيل: هو التطوع «10» (من قبل أن يأتي يوم) أي يوم الحساب والجزاء (لا بيع فيه) أي لا فداء ثمه (ولا خلة) أي لا «11» صداقة (ولا شفاعة) بغير إذن الله تعالى،
صفحة ١٢٤