إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) وهو فعلوت من التوب بمعنى «1» الرجوع وهو الوعاء الذي يوضع فيه الشيء ويرجع إليه للإخراج دائما وليس فاعولا، لأنه وزن غير معروف بينهم، قيل: كان التابوت صندوق التورية، وكان موسى عليه السلام إذا قاتل قدمه فكان «2» تسكن «3» نفوس بني إسرائيل ولا يفرون فيستنصرون به «4»، وهو معنى قوله (فيه سكينة من ربكم) أي طمأنينة لقلوبهم من الله «5» (وبقية) هي لوحان من التورية وقطع الألواح التي تكسرت وعصا موسى ونعلاه وعمامته وعمامة هرون وقفيز من المن (مما ترك آل موسى وآل هارون) أي الأنبياء أو نفس موسى وهرون، وهو في محل الرفع صفة ل «بقية»، قيل: قد خبأه يوشع في التيه بعد موسى عليه السلام «6»، وقيل: لما مرج أمر بني إسرائيل وغيروا دينهم غصبهم الكفار وأخذوه منهم قسرا وكان في أرض جالوت ولما أراد الله أن يملك طالوت أصاب جالوت وقومه ببلاء الباسور والهلاك حتى هلكت خمس مدائن، فقالوا: هذا بسبب التابوت فينا فوضعوه على العجلة وربطوا العجلة على الثورين، ثم وجهوهما نحو بني إسرائيل فضربت الملائكة جنوبهما فساقوهما إلى أرض بني إسرائيل فأصبحوا فاذا التابوت بين ظهرانيهم «7» فذلك قوله (تحمله الملائكة) وقيل: حملته الملائكة نازلين من السماء ووضعته عند طالوت فأقروا بملكه «8» (إن في ذلك) أي في رد التابوت (لآية لكم) أي لعلامة لملك طالوت (إن كنتم مؤمنين) [248] أي مصدقين بأن ملكه من الله فعرفوا ذلك وأطاعوه فتجهز طالوت وخرج بالجنود وهم سبعون ألفا.
[سورة البقرة (2): آية 249]
فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (249)
(فلما فصل) أي خرج من بيت المقدس (طالوت بالجنود) وكان حرا شديدا فطلبوا الماء (قال) طالوت بوحي الله إليه، لأنه جعله نبيا، وقيل: أخبره نبيهم وهو أخبر قومه «9» (إن الله مبتليكم) أي مختبركم (بنهر) وذلك ليظهر عند طالوت من كان مخلصا في نيته من غيره ليميزهم من العسكر، لأن من لا يريد القتال إذا خالط عسكرا يدخل الضعف في العسكر فينهزمون لشؤمه «10» فقال (فمن شرب منه) أي كرع فيه (فليس مني) أي من أهل ديني وأتباعي على عدوي (ومن لم يطعمه) أي من «11» لم يذقه (فإنه مني) أي من أهل ديني (إلا من اغترف غرفة بيده) بالضم اسم بملء الكف وبالفتح مصدر «12» للمرة، ومحل «إلا من» نصب على الاستثناء من قوله «فمن شرب»، المعنى: أن الغرفة مباحة لكم فكانت الغرفة تكفي للرجل ودوابه (فشربوا منه) أي من ماء النهر (إلا قليلا منهم) أي لم يكرعوا فيه فأمر طالوت من شرب منه أن يرجعوا وأمسك المخلصين، قيل: قد ظهر من الشرب في شفة من شرب علامة عرف بها فرده «13» (فلما جاوزه) أي النهر «14» (هو) أي طالوت «15» (والذين آمنوا معه) أي المؤمنون ودنوا إلى عسكر جالوت ورأوه «16» (قالوا لا طاقة) أي لا قوة (لنا اليوم بجالوت وجنوده) لما
صفحة ١٢٢