يدانى فذا الإكفاء والإقواو بعده ... الإجازةُ والإصراف والكلّ متّقى
أقول: الضمير المستتر في «تحوز» عائد إلى القافية، يعني أن القافية تحوز رويًا لأنها تتضمنه وتشتمل عليه، فهو في حوزها، فلذلك قال «تحوز» . قال الشريف: والروي هو الحرف الذي تُبنى عليه القصيدة وتنسب إليه، فيقال قصيدةٌ رائية وقصيدةٌ دالية، وهذا هو الذي أراد الناظم بقوله «حرفًا انتسب له» . قلت: يردُ على تعريف الرويّ بما ذكراه لزوم الَّور ضرورة توقف معرفة الروي حينئذ على ما أَخَذَ في تعريفه وهو نسبة القصيدة إليه، وتوقفِ النسبة حينئذٍ على معرفة حرف الرويّ إذ لا تنسب القصيدةُ إلى حرف حتى يُعلم أنه حرفُ رويها. قال ابن جنى: وأحوطُ ما يقال في حرف الرويّ أن جميع حروف المعجم تكون رويا إلا الألف والياء والواو الزائدة في أواخر الكلم غيرَ مبنيّات فيها بناء الأصول، نحو ألف «الجرعا»، وياء «الأيامى»، وواو «الخيامو»، وإلا هائي التأنيث والإضمار إذا تحرك ما قبلهما، نحو «طلحَه» «وضربه»، وكذلك الهاءُ التي تُتَبين بها الحركة نحو «ارمهْ» «واغزه» و«فيمه» «ولمه»، وكذلك التنوين اللاحق آخر الكلم للصّرف كان أو لغيره، نحو زيد «أوصهٍ» و«غاقٍ» و«يومئذٍ»، وقوله:
أقلي اللوم عاذلَ والعتابَنْ
وقول الآخر:
دانيت أروى والديون تُقضنْ
وقول الآخر:
يحسبه الجاهل مالم يَعْلَمَنْ
وقول الأعشى:
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدَنْ
وقول عمر بن أبي ربيعة:
وقمَيْرٍ بدا ابنَ خمسٍ وعشرين له قالت الفتاتان قُومَنْ
وقول عبد الله بن الحرّ:
متى تأتنا تُلمم بنا في ديارنا تجدْ حطبًا جزلًا جزلًا ونارًا تأججنْ
وكذلك الألفات التي تبلدلُ من هذه النونات نحو قوله:
يحسبه الجاهلُ ما لم يعلما
وكذلك الهمزة التي يبدلها قوم من الألف في الوقف، نحو: رأيت رجلأ وهذه حُبْلأ، ويريد أن يضربهأ، وكذلك الألف والياء والواو اللواتي يلحقن الضمير نحو: رأيتها، ومررت بهي، وهذا غلامهو، ورأيتهما، ومررت بهمي، وكلمتهمو. فإذا جاءك بيتٌ فانظر إلى آخر حرفٍ منه، فإن كلن واحدًا منها فتجاوزه إلى الذي قبله، فإن لم يكن واحدًا منها فاجعله رويا، وإن كان واحدًا منها فَتَعَدَّهُ إلى ما قبله، فإنه لا بد أن يكون رويًا، وذلك أنه لا يمكن أن يلحق بعد حرف الروي أكثر من حرفين الأول هاء الوصل والآخر خروج. ونحن نعرض من ذلك ما يتبين به غرضنا. من ذلك قول رؤية:
وقاتمِ الأعماق خاوي المخترقْ
فآخر البيت القافُ وليست واحداُ من الحروف المستثناة فهي حرف الروي، والقصيدة لذلك قافية. ويلي قولُ زهير بن أبي سلمى:
صحا القلبُ عن سلمى وأقصر باطله ... وعُرىَ أفراس الصّبا ورواحله
فآخر البيت الهاءُ إلا أنها من الحروف المستثناة، أَلا تراها هاءَ إضمار، متحرك ما قبلها فلا يكون رويًا، فقد اضطررت إلى اعتبار ما قبلها وهو اللام وليست من الحروف المستثناة فهي الروي، والقصيدة لذلك لامية. وبيلي ذلك قول الأعشى:
قَطَعتُ إذا خَتَّ ريعانها تنهضُ في آدِها
فآخر البيت الألف، ولا تكون رويًا لأنها تابعة لهاء الإضمار، فقد اضطررت إلى اعتبار ما قبل الهاء وهو الدال وليست من الحروف المستثناة، فهي إذن الرويّ والقصيدة لأجل ذلك دالية. وهذه الطريقة أصح الطرق على معرفة الروي وأجلاها وأوضحها، ولا شيء يقوم في استخراج علمه مقامها. انتهى كلامه. وسُمي رويًا أخذًا له من الرويةً وهي الفكرة، لأن الشاعر يرويه فهو فعيل بمعنى مفعول. وقيل: هو مأخوذ من الرُّواء وهو الحبل يَضم شيئًا إلى شيء، فكأن الرويّ شد أجزاء البيت ووصل بعضها ببعض. وقال أبو علي: هو من قولهم «للرجل رُواء» أي منظر حسن، فسُمي رويًا لأن به عِصمةَ الأبيات وتماسكها، ولولا مكانه لتفرقت عُصبًا، ولم يتصل شعرًا واحدًا. ثم الرويُّ لا يخلو إما أن يكون متحركًا أو ساكنًا، فإن كان متحركًا فحركته تُسمى بالمجرى سواء كانت فتحة كحركة النون من قوله:
ألا هُبى بصحنك فاصبحينا
أو ضمةً كحركة الميم من قوله:
سُقيت الغيثَ أيتها الخيامُ
أو كسرة كحركة الباء من قوله:
كليني لهمٍ يا أميمة ناصبٍ
1 / 82