وأقول: آثار الضعف باديةٌ على كلا الوجهين، فلا ينبغي الالتفات إليهما. أما أولًا فلا نسلم أن الكسر في وتد البيت المسكون إنما يأتي على أوله، ولو سُلم فلا ينتهض هذا الشبه إلى أن يقوم دليلًا على هذا الحكم، ولو سُلم فيلزم أن لا يحصل تغييرٌ لوتد إلا في أوله سواء وقع الوتد في صدر البيت أو غير الصدر، وهو باطل. وأما ثانيًا فقوله إن الخزم زيادةٌ قبل الأول فيكون ضدها وهو النقص كذلك ليس بمستقيم، وذلك لأنه يلزم أن يكون النقص قبل الأول، ولا يتصور، فلم يبق إلا أن يجعل النقص واقعًا في الأول نفسه، أي يجعل الناقص هو عين الحرف الأول، وهذا ليس بطريق الحمل على الضد وهو الزيادة، لأن محلها ليس الأول نفسه، إنما هي قبل الأول لا فيه، فتأمل. وعلى الجملة فكل هذه أمور واهية لا يستند إليها ولا يعول في إقامة حكم عليها. ويكفي الرجوع إلى الاصطلاح ولا مشاح فيه. قال ابن بري: اختلفوا في مسوغ الخرم مع أنه يخرج به اشعر عن الوزن. قلت: لو خرج عن الوزن لم يكن شعرًا. ثم قال: فذهب الأخفش ومن تابعه إلى أن ذلك من أجل أن بين كل بيتين سكتةِ، فكأن المحذوف يعادل السكتة. قال ابن بري: ولا خفاء بضعف هذا الوجه. قلت: كأنه يشير إلى اعتراض أبي الحكم عليه بأن عوض الحرف إنما يكون حرفًا أو ما ناب منابه، والسكتة ليست كذلك فلا نكون عوضًا. واعترضه أيضًا أبو الحكم بأن الخرم أكثر ما يقع أوائل القصائد حيث لا يت قبله يةقف عليه ورده الصفاقسي بأن الأخفش لم يقيد السكتة في التقدم حتى يلزم ذلك، بل يقول: ما في آخر البيت من اسكتة عوضٌ مما حذف أوله. ثم قال الصفاقسي: نعم لقائلِ أن يقول عليه إنها علةٌ غير مطردة، إذ لايسوغ إلا الخرم الواقع في أول البيت، أما الذي في المصراع الثاني فلا، لأن الكلمة قد تقع في نصف البيت فيكون بعضها تمامًا نصف الثاني وبعضها أول الثاني، وليس ثمة سكتة، فلا يجوز الخرم حينئذ أول النصف الثاني، وهو باطل. وجوابه أن سكتة آخر البيت عوضٌ عن كل خرم وقع فيه كان أول البيت أو أول المصراع. قلت: كأن وقوع الخرم أول النصف الثاني عنده محكومٌ بجوازه اتفاقًا حتى ينبني عليه مثل هذا، وقد علمت ما فيه من الاختلاف واضطراب النقل فيه عن الخليل فتذكره.
ثم قال ابن بري: وذهب غيره- يعني غير الأخفش- إلى أن الخرم إنما وقع في أول البيت ليقابل به الترنّم المزيد في آخر البيت. قال ابن بري: وهذا أيضًا ضعيف لأنا وجدناه حيث لا مدّ ولا ترنم في آخر البيت في نحو قوله:
أدّوْا ما استعاوه ... كذاك العيش عاريةْ
قلت: هذا نص ابن بري كما تراه، أخذه الصفاقسي برمته ونسبه إلى نفسه فقال «وعندي فيه نظر، لجواز في البيوت التي قوافيها مقيدة كقوله: أدوا ما استعاروه» وأنشد البيت. ولا يقال لعله من توارد الخاطر لأنا نقول هو كثير المطالعة لكلام ابن بري والنقل منه في كتابه كما يعرفه الفطن الناظر في كلاميهما فلا ينهض هذا عذرًا، والله أعلم.
ثم قال ابن بري: وذهب الزجّاج إلى أن مسوغ دخول الخرم في أول البيت هو أن أول البيت مفتتح الوزن فينطق به الشاعر كيف اتفق ولا يشعر بمراده من الوزن إلا بعد ذلك. وقال ابن رشيق: إنما جاز الخرم في أشغعار العرب، لأن أحدهم يتكلم الكلام على أنه غير شعر لأن أحدهم يتكلم الكلام على أنه غير شعر لأن أحدهم يتكلم الكلام على أنه غير شعر ثم يرى فيه رأيًا فيصرفه الى الشعر في أي وجه شاء. قال: فمن هنا احتمل لهم وقبح على غيرهم، ألا ترى أن بعض كتّاب عبد الله ابن طاهر عاب ذلك على أبي تمام وهو أولى الناس بمذاهب العرب حيث قال: «هنّ عوادى يوسفِ وصواحبه» انتهى كلام ابن بري.
1 / 37