فلينظر كل إلى نفسه، ولا يتبع وساوس الشيطان، وليمتحن كل واحد قلبه قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة، وليطبق بين صفاته وبين ما وصف الله به المؤمنين، وما جعله الله من خصائص الإيمان. فلو فعل كل منا ذلك لرأينا عدل الله فينا واهتدينا.
يا سبحان الله، إن هذه أمتنا أمة واحدة، والعمل في صيانتها من الأعداء أهم فرض من فروض الدين عند حصول الاعتداء، يثبت ذلك نص الكتاب العزيز، وإجماع الأمة سلفا وخلفا، فما لنا نرى الأجانب يصولون على البلاد الإسلامية، صولة بعد صولة، ويستولون عليها دولة بعد دولة، والمتسمون بسمة الإيمان آهلون لكل أرض، متمكنون بكل قطر، ولا تأخذهم على الدين نغرة، ولا تستفزهم للدفاع عنه حمية.
ألا يا أهل القرآن لستم على شيء حتى تقيموا القرآن، وتعملوا بما فيه من الأوامر والنواهي، وتتخذوه إماما لكم في جميع أعمالكم، مع مراعاة الحكمة في العمل، كما كان سلفكم الصالح، ألا يا أهل القرآن هذا كتابكم فاقرءوا منه:
فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت (محمد: 20)، ألا تعلمون فيمن نزلت هذه الآية؟! نزلت في وصف من لا إيمان لهم، هل يسر مؤمنا أن يتناوله هذا الوصف المشار إليه بالآية الكريمة، أوغر كثيرين من المدعين للإيمان ما زين لهم من سوء أعمالهم، وما حسنته لديهم أهواؤهم
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها (محمد: 24).
أقول، ولا أخشى نكيرا: لا يمس الإيمان قلب شخص إلا ويكون أول أعماله تقديم ماله وروحه في سبيل الإيمان، لا يراعي في ذلك عذرا ولا تعلة، وكل اعتذار في القعود عن نصرة الله فهو آية النفاق وعلامة البعد عن الله.
مع هذا كله نقول إن الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة كما جاءنا به نبأ النبوة، وهذا الانحراف الذي نراه اليوم نرجو أن يكون عارضا يزول، ولو قام العلماء الأتقياء وأدوا ما عليهم من النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأحيوا روح القرآن، وذكروا المؤمنين بمعانيه الشريفة، واستلفتوهم إلى عهد الله الذي لا يخلف؛ لرأيت الحق يسمو، والباطل يسفل، ولرأيت نورا يبهر الأبصار، وأعمالا تحار فيها الأفكار.
وإن الحركة التي نحسها من نفوس المسلمين في أغلب الأقطار هذه الأيام تبشرنا بأن الله قد أعد النفوس لصيحة حق يجمع بها كلمة المسلمين، ويوحد بها بين جميع الموحدين، ونرجو أن يكون العمل قريبا؛ فإن فعل المسلمون وأجمعوا أمرهم للقيام بما أوجب الله عليهم؛ صحت لهم الأوبة، وصحت منهم التوبة، وعفا الله عنهم، والله ذو فضل على المؤمنين.
فعلى العلماء أن يسارعوا إلى هذا الخير، وهو الخير كله: جمع كلمة المسلمين، والفضل كل الفضل لمن يبدأ منهم بالعمل
من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
صفحة غير معروفة