173

وهذه الشروط جميعها تقرر ويجري حكمها بعد جلاء العساكر الإنجليزية عن وادي النيل، وفاتحة هذا الفصل تنطق بأن الإنجليز إن قصر بهم السعي عن التملك في الأراضي المصرية فقد هيئوا كلاليب لاختطافها من أيدي المسلمين والانقلاب بها إلى قوم آخرين، كما أشرنا إليه في موضع آخر.

هذا الذي صرح به من تشكيل الحكومة في مصر على مثال حكومة بلجيكا هو الأمر العظيم الذي نوهه مسيو جول فري، وقال: إنه من أجل أحكام السياسة وأسماها، وصحيح العقل يرتاب في كونه حكما سياسيا فضلا عن كونه ساميا؛ لما يلاحظ فيه من عواقب المكالبة والشحناء بين الأمم الأوروبية إلى أجيال بعد ما تقرر لديهم أن الشرقي لا يليق به أن يستقل بحكم نفسه!

فإن خدعه الظاهر فربما يرى فيه خيرا لفرنسا أو لأوروبا، بمعنى أنه أفضل لها من التملك الإنجليزي، أما المسلم فيراه نكاية لملته والشرقي يجده خرابا لبلاده، هذا الأود الذي ظهر في سياسة مسيو جول فري لا يقومه إلا حمية الدولة العثمانية واشتدادها في حفظ مكانتها السياسية، وحرص مجلس النواب الفرنسي على حماية المصالح الفرنسية التي يسهل صونها بشيء من العزيمة وبصيص من البصيرة - ولله الأمر يفعل ما يشاء.

2

الفصل الثالث والسبعون

الباب العالي

روت جريدة الديلي نيوز خبرا يسر كل مسلم يهمه نجاح الدولة العثمانية ويرى عزته في عزتها، وذلك أن الباب العالي يأبى أن يرى جيشا إنجليزيا يحتل مصر، ويرغب إذا اشتد العصيان أن يفوض الأمر إلى الخديو الذي يتبع نصائح الدولة العلية صاحبة السلطة الشرعية عليه.

وكل شرط يرمي إلى جعل مصر تحت حماية أجنبية فليس عند الباب العالي في موضع القبول؛ لأنه يكون تمهيدا لإضعاف سلطة السلطان على تلك البلاد، ويمكن أن يقبل الاتفاق الفرنسي الإنجليزي في غير هذين الأمرين (الاحتلال الإنجليزي والحماية الأجنبية).

وورد في رسالة من مراسل جريدة نوفل بريس ليبر الفرنسية مناقشة جرت بينه وبين أحد السياسيين الروس نقلتها جريدة التان، جاء فيها أن دولة الروس ستقاوم دولة بريطانيا في مطامعها وتؤيد الدولة العثمانية في مطالبها؛ رعاية لمصالحها المرتبطة بمصالح العثمانيين في المسألة المصرية وفي الاتفاق المنعقد بين دولتي فرنسا وإنجلترا.

الفصل الرابع والسبعون

صفحة غير معروفة