العروة الوثقى (مصادرتها في مصر والهند وفرض غرامة على قرائها!)
انعقد مجلس الوزراء المصري في القاهرة، واهتم بالبحث في شأن «العروة الوثقى»، ثم أصدر قراره إلى وزارة الداخلية المصرية قاضيا عليها بأن تشتد في منع هذه الجريدة من دخول الأقطار المصرية وتراقب جولاتها في تلك الديار، فصدر أمر الداخلية إلى إدارة عموم البريد يلزمها بالدقة في ذلك، وبلغنا أن الجريدة الرسمية - بعد نشرها صورة الأوامر - أعلنت أن كل من توجد عنده العروة الوثقى يغرم مبلغا من خمسة جنيهات مصرية إلى خمسة وعشرين جنيها (وهي غرامة جسيمة ربما دعا إليها عسر المالية المصرية ببركة تصرف الإنجليز في مصر)!
أما نحن فلا نظن أحدا من الوزراء المصريين له رأي اختياري في هذا القرار، بل لا نتوهم في المستوي على كرسي الخديوية ميلا إلى مثل هذا الحكم، ولا يختلج في صدورنا أن مصريا من أي مشرب كان سواء المسلم أو غير المسلم منهم، بل ولا شرقيا ممن يسكن تلك البلاد يرى فيه جانبا من العدل.
هذه جريدة قامت بالدفاع عن المصريين والاستنجاد لهم، ولها سعي - بل كل السعي - لخيبة آمال أعدائهم، ولا ترى من مشربها مدح زيد ولا القدح في عمرو؛ فإن المقصد أعلى وأرفع من هذا، وإنما عملها سكب مياه النصح على لهب الضغائن لتتلاقى قلوب الشرقيين عموما على الصفاء والوداد، تلتمس من أبناء الأمم الشرقية أن يلقوا سلاح التنازع بينهم ويأخذوا حذرهم وأسلحتهم لدفع الضواري التي فغرت أفواها لالتهامهم، ومن رأيها أن الأشغال بداخل البيت إنما يكون بعد الأمن من طروق التأهب، هذا منهاج العروة الوثقى علمه كل مطلع على ما نشر فيها من يوم نشأتها إلى الآن، فكيف يخطر ببال عاقل أن شرقيا مسلما أو غير مسلم يميل لحجبها عن دياره؟! ولكنا نعلم أن حركات الآمرين في القطر المصري هذه الأيام قهرية لا يخالطها شيء من الاختيار، والمدير لرحى القهر عليهم هم عمال الإنجليز.
ولا نريد أن نقول للإنجليز: إنهم ظلموا في الحكم؛ فإن الجريدة لم يوجد فيها إلى الآن ما يزيد على ما تنشره الجرائد الوطنية والأجنبية من كشف مساتيرهم وبيان الرزايا التي أصيبت بها الديار المصرية من حلولهم؛ لأنهم - الإنجليز - الذين أحسوا بشهرة عالم من علماء المسلمين في الهند وإقبال الناس عليه بالاعتبار، أسرعوا بجلبه إلى ديوان الشرطة (الضبطية)، فعند وصوله إليها يفتح له الضابط مصحف قرآن أو كتاب حديث من الكتب المشهورة ثم يشير إلى آية من آيات الجهاد أو حديث مما يدعو إليه ويسأله: «هل أنت معتقد بهذه الآية أو الحديث؟» فإذا قال: نعم قال له: «فبناء على ذلك يكون من رأيك وجوب الجهاد فينا»، فإذا أجابه: «إنني درويش ملازم العزلة عن الناس وليس اعتقادي بهذا إلا لأنه كتاب ديني»، ضرب له الضابط أجل أربعة أيام أو أقل يبين فيها رأيه في الآية أو الحديث، فإن مضى الأجل ولم يحرف العالم دينه ولم يبدل عقيدته ولم يبادر بإرسال تحريفه وتبدليه وخروجه عن دينه إلى مطبعة من المطابع ليطبع وينشر، بعثت به الحكومة إلى جزيرة أندومان نفيا مؤبدا، ولو رأيت تلك الجزيرة لرأيتها غاصة بأمثال هؤلاء المظلومين.
فدولة الإنجليز التي تحاسب رعاياها المسلمين على خطرات قلوبهم وما يمكن أن يهجس في حديث نفوسهم؛ لا ريب أنها تعد وجود لفظ الإسلام في جريدة كافيا لمنعها عن الدخول إلى بلاد لها فيها قدم ثابتة أو تسعى في تثبيتها، بل تحسب أن من ألد أعدائها شخصا علق هذا الاسم من أي جنس كان، فلا غرابة في صدور مثل هذا الجور منها غير أننا نعلن لها أن همم الرجال لا تقعدها أمثال هذه المظالم، وليس يعجزنا إدخال هذه الجريدة في كل بقعة تحوطها السلطة الإنجليزية الظالمة، ذلك بعزائم أولي العزم الذي قاموا بإنشاء العروة الوثقى.
بلغنا أن بعضا من الناس يسل سيفه ويشحذ سنانه لمناضلة الولي الحميم، ويقابل ثناءه بالذم ومدحه بالقدح وإحسانه بالإساءة، ويواجه نصيحته بالظن، ولا نظن أن هذا منه عن عمد ولا إغراء عدوه، وإنما هو لشبهة حجبت نظره عن درك الحقيقة، فإذا كشفت له الأيام عن الواقع رجع إلى الندم على ما صدر منه وكانت له مثابة إلى الحق وركون إلى الصواب.
لا يحزنن أهل الحق القائمون بأمر هذه الجريدة على ما صدر عن الحكومة المصرية من منع العروة الوثقى من دخول القطر المصري، وليعلموا أن الحكومة المصرية لا دخل لها في هذا المنع؛ فإن حكومة شرقية لا تسمح لها غيرتها بمنع جريدة لا شيء فيها سوى الدفاع عن الشرقيين، وإنما منشؤه حكومة إنجلترا وشأنها معلوم عند كل عارف بأحوالها.
الفصل السابع والخمسون
تصرف الإنجليز في الهند
صفحة غير معروفة