فانظر إلى الشيخ أبي مدين ورفعته في الطريق مع أنه وصل من تربيته اثنا عشر ألف مريد وانظر إلى هذا التنزل منه والتدلي بأغصان شجرة معرفته إلى أرض الخضوع والانكسار حتى إنه لم ير نفسه أهلا للاجتماع بأهل هذه الطريقة ويزيده هذا الانخفاض من الارتفاع لأن الشجرة لا يزيدها انخفاضها في عروقها إلا ارتفاعا في رأسها فتواضع أيها الأخ في الطريق وخذ هذا الأصل العظيم من هذا العارف المتمكن يزل عنك كل تعويق
ثم قال رضي الله عنه تعالى بعد ذلك أحبهم . . إلخ أي وإن لم أكن أنا منهم فإني أحبهم ومن أحب قوما فهو منهم كما ورد في الحديث ( المرء مع من أحب ) وكما قيل
( أحب الصالحين ولست منهم
لعلي أن أنال بهم شفاعة )
( وأكره من بضاعته المعاصي
وإن كنا سواء في البضاعة )
وهذا أيضا منه رضي الله تعالى عنه من تمام التنزل السابق وتكميلا وتتميما ولهذا تواضع الذي لم يلحق جواد شرفه في ميدانه لاحق نفعنا الله تعالى ببركاته ووفقنا من معاملاته لأن هذه خصال القوم وصفاتهم ولذلك ارتفعت رتبهم وجزلت عطيتهم كما وصفهم رضي الله تعالى عنه بقوله
( قوم كرام السجايا حيث ما جلسوا
يبقى المكان على آثارهم عطرا )
( يهدي التصوف من أخلاقهم طرقا
حسن التألف منهم راقني نظرا )
( هم أهل ودي وأحبابي الذين
هم ممن يجر ذيول العز مفتخرا )
( لا زال شملي بهم في الله مجتمعا
وذنبنا فيه مغفورا ومغتفرا )
( ثم الصلاة على المختار سيدنا
محمد خير من أوفى ومن نذرا )
صفحة ٢١٩