ثم تأوه فريد وقال: يا لله! بأي حزن ستتلقى السيدة بطرس هذا النبأ المشئوم؟
فأجابه السيد راغب: إن لهذه السيدة يدا في الأمر. فالسيد بطرس لم يكن رجلا شريرا بل كان محبا للهو، محبا للكسل. إلا أنه كان في بادئ أمره نشيطا لا يدخر وسعا في إرضاء رؤسائه، كان طماعا يرغب في الحصول على وظيفة سامية في الشركة؛ ومع كل هذا كان يستهون العمل فيسد بذكائه ورشاقته ما كان ينقصه من الغيرة والاجتهاد.
ربي بطرس في كنف عم كاهن قديم فاستقى منه شعائر مسيحية صالحة، ولو عرفت امرأته كيف يجب أن تتعهد نفسه وتمحو سيئاته بإرشاداتها لكان رجلا كاملا.
آه! أف من النساء الخياليات، النساء المختلطات، اللواتي لا يعرفن واجباتهن نحو أزواجهن فيستسلمن إلى الأهواء ويطفئن إيمانهن غير مكترثات للعواقب الوخيمة!
آه! إن هؤلاء الجاهلات يمهدن لهن مستقبلا ملؤه الدموع والدماء!
فضرب نجيب يدا على يد وقال متأوها: يا للأسف! ماذا يحل بهذه المسكينة التي لم تتعود مصائب الحياة إذا لم يرجع بطرس ويندم على ما فعل؟ ماذا يحل بها وبولديها إذا تركها تتخبط في ظلمات المصائب التي تنتظرها؟
ففكر الرئيس هنيهة وقال: إن من الواجب أن نسعى لمساعدة هذه العائلة المسكينة. فلو عرفنا أين هو بطرس وأعدناه إلى وظيفته قبل أن تتبلغ الشركة أمر هربه فتطرده لقمنا بهذا الواجب بأسرع ما يتسع لنا؛ فالسيد بطرس رجل طيب وما دفع إلى هذا العمل إلا في ساعة جنون طرأ عليه، ولا أظنه يتمنع عن الرجوع إلى صوابه إذا نصحه صديق مخلص وخاطبه بلغة العقل الصائب. يجب أن نقوم بهذا الواجب يا نجيب. - إن بطرس لم يترك لنا عنوانه يا سيدي المدير، فيتعذر علينا اكتشاف مقره وتذهب مساعينا أدراج الرياح. - من يعلم؟ ربما نتوصل إلى معرفة ذلك بواسطة امرأته؛ فهي تجهل كل شيء، ولكنها تعطينا تعليمات صحيحة عن عادات زوجها وعلاقاته، وعن الأصدقاء الذين يعرفهم في صوفر أو في عالية أو في بيروت. •••
عندما رأت السيدة بطرس أن زوجها لم يحضر مع العمال الذين ذهبوا للبحث عنه قلقت قلقا شديدا وقالت: لماذا تخفون عني حقيقة الأمر؟ ... فهل حدث لبطرس حادث مشئوم؟ أجيبوا حالا! فهل هو مريض؟ ... أو جريح؟ ...
فأدخلها الرئيس إلى مكتبه وبعد أن هدأ خاطرها أطلعها على كل شيء، فصرخت المرأة الجميلة قائلة: لا يا سيدي، إن زوجي لرجل شريف فلا يرتكب مثل هذه الفظاعة! فتنهد الرئيس وقال: عسى أن يصدق ما تقولين!
فتحولت السيدة بطرس إلى الحاضرين وقالت لنجيب: ما لي أراك لا تنتصر لبطرس يا نجيب؟ ألست أعلم به من سواك؟ - إن من ينتصر لرجل يا سيدتي يجب عليه أن يتحقق براءته. أنا لا أجهل أن أهواء النفس تعمي أبصار الرجل أحيانا وتخنق فيه صوت الضمير والعقل! ولا أنكر أننا معرضون جميعا للوقوع في مكايد الحياة.
صفحة غير معروفة