الشيخ (١)، فليس لي أن أعيد إلا ما لا بد منه.
ولد أبو العباس الونشريسي في عهد الدولة الزيانية (بني عبد الواد)، وشاء الله أن يكون ميلاده في تاريخ استلام أبي العباس أحمد الزياني (المعتصم بالله) الملك سنة ٨٣٤ - ٨٦٦ هـ، وهو عهد فتن وحروب، إذ أن الجزائر (المغرب الأوسط) يحكمها سلاطين تبع للحفصيين، غير أنهم بين فترة وأخرى يحاولون الاستقلال فيؤدبون، هذا إلى جانب المحاولات المستمرة للسيطرة عليها من قبلِ ملوك بني مرين في المغرب الأقصى، والتي كان آخرها سنة ٨٢٧ هـ. عندما تَخَلَّوْا عنها نهائيًّا.
لنرجع إلى السلطان أبي العباس أحمد الزياني (المعتصم بالله) الذي ارتقى السلطة باسم الحفصيين سنة ٨٣٤ هـ. كما سبق لنا أن قلنا، لم يلبث هذا أن حاول الاستقلال عنهم، لكن أبا فارس الحفصي أسرع بجيشه قاصدًا تلمسان للقضاء على هذا الانفصال، غير أنه توفي في الطريق، فرجع الجيش (٢). ومع ذلك لم يستقر الأمر لأبي العباس، فقد فاجأته الأقدار من جهة أخرى، هذه المرة فوجئ بعصيان أخيه أبي يحيى، تسانده بعض القبائل، فحاصر تلمسان، ولما صعبت عليه، ذهب إلى وهران فاحتلها سنة ٨٤٠ هـ (٣) بغير قتال. وحاول أخوه أبو العباس ردعه ففشل بادئ الأمر، خصوصًا عند انشغاله بإِخماد ثورة أخرى قام بها أبو زيان محمد (المستعين بالله) الذي ساعده الحفصيون، وكاد يحتل أغلبية البلاد لولا تدخل أبي يحيى صاحب وهران، فقضي على أبي زيان، فزاد خوف أبي العباس من أخيه، فقرر القضاء عليه، فدارت بينهما حروب انتصر في آخرها أبو العباس على أخيه، حيث خرج الأخير إلى تونس فبقي بها إلى وفاته (٤).
ولم يستتب الأمر لأبي العباس طويلًا حتى ثار ضده حفيد أخيه (أبو ثابت)، فاحتل تلمسان، وعزل عم أبيه أبا العباس، الذي انتقل إلى ضاحية العباد، ثم أبعد
_________
(١) انظر القسم الدراسي في كتاب إيضاح المسالك، تحقيق أحمد أبي طاهر الخطابي الرباط ١٤٠٠ هـ- ١٩٨٠ م من صفحة ٧ على صفحة ٤١.
(٢) تاريخ الجزائر العام ٢/ ١٩٧ دار الثقافة بيروت ١٩٨٠ عبد الرحمن محمد الجيلاني.
(٣) نفس المصدر: ٢/ ١٩٧.
(٤) نفس المصدر ٢/ ١٩٧، ١٩٨.
1 / 14