العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار
الناشر
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
وفيه دليل على العفو عن أثرِ النَّجَاسة في محلِّها، وإذا انتقل منه لم يعْفَ عنه، وهذا كله إذا شكَّ في نجاسة يده، فلو تيقنَ طهارتها بطريقة، وأرادَ غمسها قبل غسلها، فقد قال جماعة من أصحاب الشَّافعي: حكمه حكم الشَّك؛ لأن أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم النَّاس، فيجري عليه حكمه؛ لئلا يتساهل فيه من لا يعرف، والأصح الذي عليه جمهورهم أنه لا يكره، بل هو بالخيار بين الغمس أولًا والغسل؛ لأن النبي ﷺ ذكر النوم ونبَّه على العِلَّة، وهو الشَّك، فإذا انتفت العِلَّة، انتفت الكراهة.
ولو كان النهى عامًّا، لقال: إذا أرادَ أحدُكم استعمالَ الماءِ، فلا يغمسْ يدَه حتى يغسلها، وكان أعمَّ وأحسن -والله أعلم-.
وفي الحديث دليل على استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها عند الاشتباه والشَّك ما لم يخرجْ إلى حد الوسوسة -والله أعلم-.
* * *
الحديث الخامس
عن أبي هريرة ﵁: أنَّ رسول الله ﷺ قال: "لا يبولَنَّ أَحَدُكُمْ في المَاء الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي، ثم يَغْتَسِل مِنْهُ" (١)، ولمسلم: "لا يَغْتَسِلْ أحَدُكمْ في المَاء الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ" (٢).
الماء الدائم: هو الرَّاكد، ويؤكده قوله ﷺ: "الذي لا يَجْرِي"، ويوضح معناه، ويحتمل أنه ذكرَه للاحترازِ من المياه التي يجري بعضها دون بعض؛ كالبركة، ونحوها.
وقوله ﷺ: "ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْه" الرواية: "يغتسلُ" بالرَّفع؛ أي: هو يغتسلُ منه؛
_________
(١) رواه البخاري (٢٣٦)، كتاب: الوضوء، باب: البول في الماء الدائم، ومسلم (٢٨٢)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء الراكد.
(٢) رواه مسلم (٢٨٣)، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الاغتسال في الماء الراكد.
1 / 66