العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار
الناشر
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
تصانيف
اعلم أن تسمية الجنابة باسم المني: من باب تسمية الشيء باسم سببه؛ فإنَّ خروج المني، ووجودَه: سبب لاجتناب الصلاة، وما في معناها، وبعده عنها.
ثمَّ إنَّ غَسْلَ عائشة ﵂ للمني، من ثوب النبيِّ ﷺ لم يكن لاعتقاد نجاسته، ووجوب غسله؛ وإنما كان لمجرد التنظيف؛ لقولها في الرواية الثانية: "كنتُ أفرُكه من ثوبهِ ﷺ فركًا فيصلِّي فيه".
فلو كان نجسًا، لم يتركْه النبي ﷺ، ولم يكتفِ بفركه، أو حكه.
وقد اختلف العلماء؛ في طهارة مني الآدمي، ونجاسته:
فقال الشافعي، وأحمد في أصح روايتيه، وأصحابُ الحديث: بطهارته، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة، وبه قال داود -أيضًا-.
واستدلوا بما تقدم من فركه، وحمل حديث غسله على الاستحباب، والتنزه، واختيار النظافة.
وقال مالك، وأبو حنيفة، والليث، والحسن بن صالح: بنجاسته؛ حتى قال مالك: لا بدَّ من غسله، رطبًا ويابسًا.
وقال أبو حنيفة: يكفي في تطهيره فركُه إذا كان يابسًا، ويجب غسله إذا كان رطبًا؛ عملًا بالحديث في فركه، وبالقياس في غسل الرطب.
ولم يرَ الاكتفاءَ بالفرك دليلًا على الطهارة، وشبهه بعض أصحابه: بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى؛ في قوله ﷺ: "إذا وَطِئَ أحدُكم الأذى بنعلِه، أو خُفِّه، فطهورُهما الترابُ" رواه الطحاوي، من حديث أبي هريرة (١)؛ فإنَّ الاكتفاء فيه بالدلك لا يدل على طهارة الأذى.
(١) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٥١)، وأبو داود (٣٨٦)، كتاب: الطهارة، باب: في الأذى يصيب النعل، وابن خزيمة في "صحيحه" (٢٩٢)، وابن حبان في "صحيحه" (١٤٠٤).
1 / 222