206

نقض أصول العقلانيين

الناشر

دار علوم السنة

تصانيف

وأيضًا فعدم المعارض العقلي القاطع لا يوجب الجزم بمدلول الدليل السمعي، فإنه –على قولكم-: إذا جوزتم على الشارع أن يقول قولًا له معنى مفهوم، وهو لا يريد ذلك، لأن في العقليات الدقيقة التي لا تخطر ببال أكثر الناس، أو لا تخطر للخلق في قرون كثيرة ما يخالف ذلك- جاز أن يريد بكلامه ما يخالف مقتضاه بدون ذلك، لجواز أن يظهر في الآخرة ما يخالف ذلك، أو لكون ذلك ليس معلومًا بدليل عقلي ونحو ذلك، فإنه إذا جاز أن يكون موقوفًا على أمثاله من الشروط، إذ الجميع يشترك في أن الوقف على مثل هذا الشرط، يوجب أن لا يستدل بشيء من أخباره على العلم بما أخبر به. وإن قالوا بتأول كل شيء، إلا ما علم بالاضطرار أنه أراده، كان ذلك أبلغ، فإن ما من نص واردٍ، إلا ويمكن الدافع له أن يقول: ما يعلم بالاضطرار أنه أراد هذا. فإن كان للمثبت أن يقول: أنا أعلم بالاضطرار أنه أراده. كان لمن أثبت ما ينازعه فيه هذا المثبت أن يقول أيضًا مثل ذلك. فعلم أن قولهم باطل، وأن قولهم: لا نتأول إلا ما عارضه القطعي –قول باطل، ومع بطلان قولهم قد يصرحون بلازمه، وأنه لا يستفاد من السمعيات علم، مع أنهم يستفيدون منها علمًا، فيتناقضون، ومن لم يتناقض منهم فعليه أن يقول: أخبار الرسول ثلاثة أقسام: ما علم ثبوته بدليل منفصل صدق به، وما علم أنه عارضه العقل القاطع كان مأولًا، وما لا يعلم بدليل منفصل لا يمكن لا ثبوته ولا انتفاؤه، وكان مشكوكًا فيه موقوفًا.

5 / 20