طبقات أولياء الله في سورة الواقعة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: [وأولياء الله على طبقتين: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وفي آخرها وفي سورة الإنسان والمطففين وفي سورة فاطر] كما قال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة:٧ - ١١].
وأصحاب الميمنة: هم أصحاب اليمين، كما ذكرهم بعد السابقين مرة أخرى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة:٢٧].
وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة:٨٨ - ٩١].
وفي سورة المطففين قال الله ﷿: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ [المطففين:٢٧ - ٢٨].
فالمقربون يشربون من التسنيم خالصًا، ويمزج لأصحاب اليمين.
وقال ﷿: ﴿إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان:٥ - ٦]، فعباد الله الذين يشربون يشربونها خالصة.
وفي المطففين: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ [المطففين:٢٧].
في سورة فاطر: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [فاطر:٣٢].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنه ﷾ ذكر في الواقعة القيامة الكبرى في أولها، وذكر القيامة الصغرى في آخرها.
يعني: الموت.
فقال في أولها، وذكرهم تفصيلًا، فقال في أولها: ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [الواقعة:١ - ٦]].
أي: خافضة لأقوام ورافعة لآخرين.
﴿إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا﴾ [الواقعة:٤]، أي: زلزلت.
«وَبُسَّتِ»، أي فتتت الجبال تفتيتًا.
«فَكَانَتْ هَبَاءً»: وهو الغبار الذي يرى في ضوء الشمس.
«مُنْبَثًّا»: متفرقًا.
قال المؤلف ﵀: وقال تعالى: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً﴾ [الواقعة:٧] أي: أصنافًا ثلاثة.
﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ﴾ [الواقعة:٨ - ١٣]] أي: جماعة كبيرة كثيرة من الأولين.
قال المؤلف ﵀: [﴿وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة:١٤].
فهذا تقسيم الناس إذا قامت القيامة الكبرى التي يجمع الله فيها الأولين والآخرين كما وصف الله سبحانه ذلك في كتابه في غير موضع.
ثم قال تعالى في آخر السورة: «فَلَوْلا» أي: فهلا، «إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ»].
أي: إذا غلبت الروح حلق الإنسان، تشبيهًا بالشيء الذي يتغرغر الإنسان به؛ لأنه يردده في حلقه.
﴿فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ﴾ [الواقعة:٨٣ - ٨٤] أي: وأنتم أصحاب الميت وأقاربه تنظرون إليه ماذا يفعل به، وماذا تستطيعون أن تفعلوا له؟ ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:٨٥]، قربًا يليق بجلاله وعظمته، قرب علم وإحاطة وقدرة ومراقبة.
قال: ﴿وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ [الواقعة:٨٥ - ٨٦]: هلا إن كنتم غير محاسبين.
﴿تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الواقعة:٨٧]: ترجعون هذه الروح إن كنتم صادقين أنكم لا تحاسبون على ما تفعلون، وذلك أن من أخذت روحه فإنها تؤخذ رغمًا عنه ورغمًا عمن حوله، ومن يحبه فهو لا يملك الأمر، فكيف يجزم أنه لا يحاسب؟ فالروح لم يكن يملكها الإنسان ولا كان يملك الجسد، فإذا كان ذلك كذلك كان هذا دليلًا على أنك لا تملك الحياة وإنما هي ملك لله، فسوف تسأل عما تصرفت فيه من ملك غيرك.
﴿فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ [الواقعة:٨٦ - ٨٨]، أي أما إن كان المحتضر من المقربين، ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الواقعة:٨٩]: أي: راح، «وَرَيْحَانٌ» أي: الطيب، أو ريحان من الجنة.
«وَجَنَّةُ نَعِيمٍ».
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ [الواقعة:٩٠ - ٩١] أي: فيقال له: سلام لك أنت من أصحاب اليمين.
﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة:٩٢ - ٩٤].
والنزل: هو ما يعد للضيف فإذا كان هذا نزله كان ما يعد لهم أقبح وأشد، والإنسان إذا توقع خيرًا وإذا به يجد شرًا يكون ذلك أشد عليه مما لو توقع سوءًا وشرًا، والعياذ بالله.
قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران:٢١]: والإنسان إذا كان مبشرًا يتوقع أن يجد خيرًا فلو رأى خلافه كانت حسرة عظيمة.
﴿فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ﴾ [الواقعة:٩٣]: وهو الماء الحار الذي انتهى في حرارته.
﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة:٩٤]: يصلى في النار ويحرق فيها.
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة:٧٣ - ٧٤].
2 / 3