كفر من لم يؤمن بجميع ما جاء به محمد ﷺ وإن بلغ الرجل ما بلغ من العلم والزهادة والعبادة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ثم لو بلغ الرجل في الزهد والعبادة والعلم ما بلغ ولم يؤمن بجميع ما جاء به محمد ﷺ فليس بمؤمن] أي: أنه لا بد أن يؤمن بجميع ما جاء مجملًا، وأن كل ما جاء به الرسول ﷺ فهو حق من عند الله، ولذا فلو اعتقد أن الرسول يقول كلامًا من عنده وفيه بعض حق فهو كافر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى.
: [ولا ولي لله تعالى كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعبادهم].
وعبادهم هم الأحبار وهم دون العلماء، والرهبان هم العباد الذين يتعبدون عبادات شديدة جدًا، وربما مكثوا السنين في الفيافي والقفار والخلوات والصوامع لا يفعلون غير ما يظنونه عبادة، ويتخلون عن كل زخرف الدنيا، ومع ذلك ليسوا بمؤمنين ولا أولياء لله ﷿.
قال المؤلف ﵀: [وكذلك المنتسبون إلى العلم والعبادة من المشركين: مشركي العرب والترك والهند وغيرهم ممن كان من حكماء الهند والترك].
أي: أنه كان هناك حكماء يعلمون الناس الحكمة، بزعمهم أن الحكمة ليست الحكمة الشرعية، وعندهم زهد رياضات نفسية لتحرير النفس من سلطان الشهوات، وهذا موروث عن عبادتهم أصلًاَ، وأنه يريد أن يستخدم الطاقات الكاملة من خلال التحكم في الجسم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن له علم أو زهد وعبادة في دينه وليس مؤمنًا بجميع ما جاء به محمد ﷺ فهو كافر، عدو لله، وإن ظن طائفة أنه ولي لله، كما كان حكماء الفرس من المجوس كفارًا مجوسًا] فليست القضية أن يكون الإنسان هو زاهدًا أو متخففًا من الدنيا، بقدر ما يكون متبعًا مطيعا ًللشرع.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وكذلك حكماء اليونان مثل: أرسطو وأمثاله كانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب، وكان أرسطو قبل زمن المسيح ﵇ بثلاثمائة سنة، وكان وزيرًا للسكندر بن فيلبس المقدوني، وهو الذي تؤرخ به تواريخ الروم واليونان ويؤرخ به اليهود والنصارى، وليس هذا هو ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه كما يظن بعض الناس].
فذو القرنين رجل مؤمن موحد، والإسكندر معروف في كل آثاره بأنه عابد أوثان.
قال المؤلف ﵀: [كما يظن بعض الناس أن أرسطو كان وزيرًا لـ ذي القرنين لما رأوا أن ذلك اسمه الاسكندر، وهذا قد يسمى بالاسكندر فظنوا أن هذا ذاك كما يظنه ابن سينا وطائفة معه]، وابن سينا هو رجل معظم جدًا لـ أرسطو، والحقيقة أن الذي في القرآن لم يسم الاسكندر، وإنما في كلمة ذي القرنين.
قال المؤلف ﵀: [وليس الأمر كذلك بل هذا الاسكندر المشرك الذي كان أرسطو وزيره متأخر عن ذلك، ولم يبن هذا السد، ولا وصل إلى بلاد يأجوج ومأجوج.
وهذا الاسكندر الذي كان أرسطو من وزرائه يؤرخ له تاريخ الروم المعروف.
وفي أصناف المشركين من مشركي العرب، ومشركي الهند، والترك واليونان، وغيرهم من له اجتهاد في العلم والزهد والعبادة، ولكن ليس بمتبع للرسل صلى الله عليهم وسلم، ولا مؤمن بما جاءوا به، ولا يصدقوهم بما أخبروا به، ولا يطيعوهم فيما أمروا، فهؤلاء ليسوا بمؤمنين، ولا أولياء لله، وهؤلاء تقترن بهم الشياطين وتتنزل عليهم، فيكاشفون الناس ببعض الأمور، ولهم تصرفات خارقة من جنس السحر، وهم من جنس الكهان والسحرة الذين تتنزل عليهم الشياطين، قال تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ [الشعراء:٢٢١ - ٢٢٣].
وهؤلاء جميعهم الذين ينتسبون إلى المكاشفات وخوارق العادات، إذا لم يكونوا متبعين للرسل فلابد أن يكذبوا وتكذيبهم شياطينهم، ولابد أن يكون في أعمالهم ما هو إثم وفجور، مثل نوع من الشرك أو الظلم أو الفواحش أو الغلو أو البدع في العبادة، ولهذا تنزلت عليهم الشياطين، واقترنت بهم، فصاروا من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:٣٦].
وذكر الرحمن هو الذي بعث به رسوله ﷺ، مثل القرآن، فمن لم يؤمن بالقرآن ولم يصدق خبره ولم يعتقد وجوب أمره فقد أعرض عنه فيقيض له الشيطان فيقترن به، قال تعالى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء:٥٠].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾ [طه:١٢٤ - ١٢٦].
فدل ذلك على أن ذكره هو آياته التي أنزلها، ولهذا لو ذكر الرجل الله ﷾ دائمًا ليلًا ونهارًا مع غاية الزهد، وعبده مجتهدًا في عبادته ولم يكن متبعًا لذكره الذي أنزله وهو القرآن: كان من أولياء الشيطان، ولو طار في الهواء أو مشى على الماء، فإن الشيطان يحمله في الهواء وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
1 / 14