و
c ، انظر فاينرت (1998))، التي قد تظهر في نماذج أو نظريات مختلفة تماما. ويجب أن تكون النظريات العلمية قابلة للاختبار تحت هذه القيود التجريبية. وفي ظل «القيود النظرية» نفهم المبادئ الفيزيائية الرياضية (مثل مبدأ النسبية)، والمعايير المنهجية مثل البساطة والوحدة والاتساق المنطقي والاتساق المفاهيمي للنظرية (الذي يقصد به هنا تعظيم الروابط المنطقية، والاشتقاقات الرياضية، والعلاقات المبنية على البراهين)، وأخيرا، المسلمات الميتافيزيقية (اتساق الطبيعة والسببية والمدارات الدائرية والحتمية والكمال والتناسق في الطبيعة). يمكن لمزيج هذه القيود المختلفة أن يرسم عددا من مساحات القيود المختلفة التي يمكن دمج النماذج والنظريات فيها. تشكل مركزية الأرض وقيودها مساحة قيود واحدة، بينما تشكل مركزية الشمس الخاصة بكبلر بنية قيود أخرى. وتعد فكرة وجود مجموعة من القيود التي تعمل على بنى علمية مفيدة للقضاء على النماذج غير الملائمة؛ إذ تتحطم هذه النماذج على صخرة القيود. لقد ألمحنا بالفعل إلى إجراء الاستقراء الإقصائي، الذي سنناقشه في الفصل الثاني. تكمن قوته في حقيقة أنه لا يمكنه إقصاء النماذج الفردية فحسب، ولكن يستطيع أيضا إقصاء مجموعات كاملة من النماذج التي تفي بمجموعة معينة من القيود (نورتون 1995؛ إرمان 1996).
ومساحة القيود عبارة عن بنية تحددها أنواع مختلفة من القيود، يمكن مزج النماذج الفعلية والمحتملة فيها. تطبق القيود على البنيات المقبولة وغير المقبولة. ودائما ما تكون القيود محدودة، ولكن تسمح مساحة القيود بعدد لا نهائي من النماذج والنظريات المحتملة (غير المصوغة)، ومع ذلك، يمكن لعدد محدود من القيود أن يحكم عددا لا حصر له من النماذج أو النظريات المحتملة، تماما كما يندرج عدد لا حصر له من الحالات المحددة - الفعلية والمحتملة - تحت القانون العلمي الواحد. ويمكن لعدد قليل من القيود أن يقصي عددا لا حصر له من النماذج والنظريات، تماما كما يستطيع بواب واحد رد عدد كبير من المقامرين؛ ومن ثم فإن بإمكان بنية شمسية المركز، بالاتحاد مع قوانين كبلر، أن تقصي كل النماذج الأرضية المركز باعتبارها بنيات غير مناسبة. وينجح الإقصاء؛ لأن النماذج الأرضية المركز تصبح متعارضة مع القيود الجديدة. بعبارة أخرى، تسبب محاولة إدراج النماذج القديمة في مساحات القيود الجديدة تناقضات.
من أجل أغراض مناقشة أطروحة دوهيم-كواين، وفي ضوء القيود، سوف نستخدم البيانات التجريبية فحسب كأمثلة على القيود التجريبية، والاتساق كمثال على القيد النظري.
لنلق نظرة أولا على بعض الأمثلة حول طريقة مساعدة استخدام القيود «التجريبية» على حل معضلة دوهيم-كواين، على الأقل من وجهة النظر العملية. تذكر موقف مركزية الأرض في القرن السادس عشر. في 1572، كان تيكو براهي قد اكتشف نجما جديدا (مستعرا أعظم)، وفي الفترة 1577-1596، اكتشف براهي المذنبات، وأثبت أنها كانت تقع خارج فلك القمر. شكلت هذه المشاهدات مشكلة خطيرة لإحدى العقائد الرئيسية في نظرية مركزية الأرض: ثبات الفلك فوق القمري. لا يمكن من وجهة نظر منطقية استبعاد أن نظرية مركزية الأرض قد وجدت طريقة للتكيف مع هذه الظواهر. في الأجزاء الأخيرة من كتابه «المجسطي»، يشير بطليموس إلى أن أي معرفة دقيقة للفلك فوق القمري تتخطى فهم البشر. إن ادعاء الجهل يمثل طريقة غريبة للتكيف. من المهم التأكيد على أنه كان «ينبغي» على نظرية مركزية الأرض التكيف مع هذه الظواهر. كانت ظواهر عنيدة، وكان إنكارها سيؤدي إلى دوجمائية الفيلسوف. السؤال هو ما التكلفة التي سيفرضها التكيف؟ (كيتشر 1993، 247-256؛ كواين 1990، 3-21)، كما رأينا، كان التكيف طبيعيا بالنسبة لنظرية مركزية الشمس. ومن وجهة النظر العملية، فإن تكلفة التكيف كانت تفرض ضغطا شديدا على نظرية مركزية الأرض؛ فليس من الاتساق أن تفترض ثبات السماوات وتقبل الدليل على الحركة.
لنلق نظرة أيضا على بعض الأمثلة حول الكيفية التي تساعد بها القيود «النظرية»، مثل اتساق النظرية العلمية، على حل معضلة دوهيم-كواين. يعني الاتساق أن عناصر النظرية العلمية تشكل شبكة محكمة ، وهو يقيس عدد الروابط البينية للمكونات والنتائج الاستنتاجية للنظرية. ويعني جعل الاتساق يعمل بمنزلة قيد لا يسمح بدخول النظام إلا للعناصر التي لا تخل باتساقه. يمكن مقارنة اتساق النظريات العلمية بلغز الكلمات المتقاطعة. فبينما نبدأ في ملء أعمدة وصفوف اللغز بالإجابات، نبدأ في رؤية توافق محكم. يمتلك لغز الكلمات المتقاطعة حلا واحدا فقط يحدد الإجابات المسموح بها. فإذا كانت إجابة العمود صحيحة، فإنها تضع قيدا على كل إجابات الصفوف. ومع ملء جميع الأعمدة والصفوف، يصبح اللغز نظاما قويا، وتفرض الأعمدة والصفوف الممتلئة قيودا شديدة على الإدخالات في المساحات الفارغة المتبقية. وبوضع مفهوم الاتساق في الاعتبار، تفكر في الطريقة التي ستمضي بها محاولة إدخال أقمار كوكب المشتري في النموذج البطلمي. سوف تخل باتساق النظام، الذي يقوم على الاعتقاد الميتافيزيقي بكمال الفلك فوق القمري. لم تكن المدارات غير الدائرية وإهليجية الشكل الخاصة بالمذنبات ستسبب مشكلات كبيرة للبنية الهندسية للنظام فحسب (شكل
1-9 )، بل كانت ستدمر اتساقه. لماذا لم يدمر إدخال كبلر لسرعات الكواكب الحقيقية غير المنتظمة اتساق النظام الكوبرنيكي؟ قبل كبلر الترتيب المكاني للكواكب في النظام الكوبرنيكي. ويمكن اعتبار المدارات الدائرية - على المستوى الرياضي - تقديرا تقريبيا جيدا لمدارات الكواكب شبه البيضاوية، لكن كان ينبغي على كبلر التخلي عن الحاجة الميتافيزيقية للأفلاك والحركة الدائرية.
نحن لا نفرض أفكارا فلسفية على الأفكار الكوبرنيكية على نحو تعسفي. لقد رأينا أن كوبرنيكوس يعبر عن إيمان قوي بالاتساق في مقدمته لكتاب «عن دورات الأجرام السماوية»، ويؤكد أنه إذا ما كانت حركة «النجوم السيارة» مرتبطة بحركة الأرض الدائرية، فإن العديد من الظواهر المرصودة ستنجم عن ذلك. وكان تلميذه ريتيكوس - بعد قبول هذه الأفكار حول الاتساق - أكثر وضوحا في هذا الشأن، فقال إن علماء الفلك العظام السابقين:
صاغوا نظرياتهم وأجهزتهم لتصحيح حركة الأجرام السماوية مع عدم الالتفات كثيرا إلى القاعدة التي تذكرنا بأن ترتيب وحركات الأفلاك السماوية تتوافق ضمن نظام مطلق. (ريتيكوس، 1540، 145)
مع ذلك، إذا كان حقيقيا أن النظريات العلمية تميل إلى إظهار كم كبير من الاتساق (الترابط) بين مكوناتها ، فمن الصعب الاعتقاد - في ظل نظرية دوهيم-كواين - أن النظام العلمي يواجه حكم الأدلة ككل فحسب؛ فكما رأينا للتو، يبدو أن شرط الاتساق يحد عدد التغييرات التي يمكن إجراؤها، كما أنه يحد من طبيعة التغيرات التي تكون مقبولة. فيمكننا استهداف عناصر معينة من النظام، عالمين أن ذلك سيؤثر على النظام بأكمله. استهدفت الفرضية الكوبرنيكية عناصر فردية من نظرية مركزية الأرض، وهي الموضع الطوبولوجي للأرض، وأداة الموازن الجبرية. واستهدف كبلر عقيدة المدارات الدائرية. (6-5) النظريات والنماذج والقوانين
صفحة غير معروفة