المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين
الناشر
تكوين للدراسات والأبحاث
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠٢٠ م
تصانيف
المطلب الثَّالث
حالُ السَّلف مع مُشكلاتِ النُّصوص الشَّرعيَّة
فعلى ذاك الحالِ من السُّؤال المَشروعِ كان أصحابُ النَّبي ﵃، فإنَّهم مع ما أوتوه مِن عَقلِ رجيحٍ، ولسانٍ فصيح، كانوا يَستشكلون على النَّبي ﷺ ما التَبَس عليهم فهمُه مِمَّا أوحِي إليه.
مِن مُثُل ذلك:
ما ذَكَره عنهم ابنُ مسعود ﵁ مَرَّةً، لمَّا نَزَلَت آية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، أنَّهم سألوا رسولَ الله ﷺ، فقالوا: أيُّنا لم يلبِس إيمانَه بظلمٍ! فقالَ رسول الله ﷺ: «إنَّه ليس بذاك، ألَا تسمَع إلى قولِ لقمان لابنِه: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]» (^١)
وليس يخفى حرصُ أمِّ المؤمنين عائشةَ على سؤالِ زوجِها ﷺ عمَّا أشكلَ عنها من نصوصِ الشَّرع، حتَّى أنَّها حين سمِعَته يقول: «مَن نُوقِشَ الحسابَ عُذِّب»، لم تَهَب سؤالَه والمَقامُ مَقامُ خشوعٍ وتذكيرٍ بالآخرة، فقالت: يا رسولَ الله، جَعَلَني الله فداءَك، أليس يقول الله ﷿: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق: ٧ - ٨]؟! فأجاب عن استشكالِها بقولِه: «ليس ذاك الحساب، إنَّما ذاك العَرض، مَن نوقِش الحساب يومَ القيامةِ عُذِّب» (^٢).
(^١) أخرج البخاري في (ك: التفسير، باب ﴿لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، رقم: ٤٧٧٦). (^٢) أخرجه البخاري في (ك: الرقاق، باب: من نوقش الحساب عذب، رقم: ٦٥٣٦)، ومسلم في (ك: صفة يوم القيامة، باب: إثبات الحساب، رقم: ٢٨٧٦).
1 / 57