الشرح المختصر للسلم المنورق

أحمد بن عمر الحازمي ت. غير معلوم

الشرح المختصر للسلم المنورق

تصانيف

ـ[الشرح المختصر للسلم المنورق]ـ المؤلف: أحمد بن عمر الحازمي مصدر الكتاب: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشيخ الحازمي http://alhazme.net [الكتاب مرقم آليا، ورقم الجزء هو رقم الدرس - ٥ دروس]

صفحة غير معروفة

عناصر الدرس مقدمة الشارح التعريف بالنظم، وشرحه. الكلام عن المنطق وتعلمه. المبادئ العشرة. فصل في جواز الاشتغال به. الخلاف في تعلم المنطق. القول الراجح، وشروطه. فصل في أنواع العلم الحادث، وشرح الترجمة. أنواع العلم باعتبار متعلقه، وتعريف كل منه. أنواع العلم باعتبار الطرق الموصلة إليه. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد. نشرع في هذا اليوم بإذن الله تعالى الثاني والعشرين من شهر شعبان لعام تسع وعشرين وأربعمائة وألف في «السُّلم المنورق في فن المنطق» لعبد الرحمن الأخضري رحمه الله تعالى، وهذا المتن يعتبر للمبتدئين في هذا الفن، كما هو الشأن في سائر العلوم التي صنف فيها العلماء للمبتدئين والمتوسطين والمنتهين، وهذا النظم يعتبر فيما ذكر غير واحد نظمًا لايساغوجي، وهو نثر يوازي أو قريب من نظم أو نثر الآجرومية، لعله#٠٠.٥٥ لعبد الرحمن الأخضري في هذا النظم. اشتهر هذا النظم عند أهل العلم فَشُرِّحَ وَدُرِّس وَحُشِّيَ عليه، وكثرت شروحه وأوصى أهل العلم بدراسته وتدريسه ونحو ذلك. ومن أشهر شروحه «إيضاح المبهم» للدمنهوري، وهو شرح ميسر حل العبارة، وقد يستدرك أحيانًا على المصنف، لكن الغالب أنه لا يخرج عن النظم. والمصنف نفسه له شرح عليه وهو مطبوع في كتاب واحد مع «إيضاح المبهم»، فهذان الشرحان يعتبران من الشروح التي يسرت هذا النظم، ومن كان يصعب عليه في الفن يعتكف على هذين الشرحين، وثَمَّ شرح موسع للبيجوري سماه «الحاشية» قد جمع كل ما يتعلق في هذا الفن على هذا النظم، وهو جامع لكل الشروح لكنه لا يصلح للمبتدئ بل كفيل في هذا الفن، وثم شرح آخر للملوي على «الحاشية» للصبان، كذلك الشأن فيها كالشأن ... #٢.٥ يستطيع أن يفهم فهمًا صحيحًا مباشرة من هذين الكتابين وهما: حاشية البيجوري، وشرح الملوي مع حاشيته. لعلها أنفس ما كتب على هذا المتن. وأما «إيضاح المبهم» شرح الأخضري فهما ميسران، وثم شرح ثالث للقويسني وهو شرح ممزوج يعني: الشارح شرح الدمنهوري، الدمنْهوري يأتي بالأبيات ثم يأتي ببعض الكلمات ويشرحها، ثم يأتي بالمعنى العام للبيت، ثَمَّ شرح بين القويسني شرحًا ممزوجًا، بمعنى أنه يأتي شرحه ضمن الأبيات، وهذا يستفيد منه طالب العلم وهو ميسر كذلك إلا أنه ليس موجود إنما #٣.٠٠ تفسيره ونحو ذلك. المتن هذا كما ذكرت يعتبر في فن المنطق، والمنطق كاسمه منطق كما سيعرفه بعض من قد كفانا #٣.١٢ بيان حقيقة المنطق فائدته، وكذلك حكمه سيأتي في المقدمة، لكن ينبغي أن يعلم أن الأصل في هذا العلم أنه لو لم يدخل العلوم الشرعية لما احتجنا إليه، لولا أنه لم يترجم من الكتب اليونانية، ثم جعل في باب المعتقد وباب أصول الفقه، بل دخل حتى النحو والصرف والبلاغة لولا هذه الأمور لما احتجنا إلى دراسة هذا الفن من أصله، وَلَكُفِينَا بعلوم الشريعة يعني: ليست بعلم شرعي وليس بعلم موصول لعلم شرعي، لأن العلم علمان: علم المقاصد. وعلم الوسائل. علم المقاصد الكتاب والسنة. وعلم الوسائل علوم الآلة التي يستعان بها في فهم الكتاب والسنة.

1 / 1

هل المنطق من المقاصد؟ قطعًا لا، هل المنطق من الوسائل التي يفهم بها علم الشريعة؟ قطعًا لا، إذًا إذا لم يكن هذا أو ذاك فالأولى الاستغناء عنه، ولكن لما وجد في باب المعتقد قد اعتمده أهل البدع في الدفاع عن عقيدتهم كالأشاعرة وقبلهم المعتزلة ونحوهم، وكذلك بنى الأصوليون علم أصول الفقه وهو ما يسمى بمنهج المتكلمين على هذا الفن فما من كتاب في أصول الفقه إلا وتجد هذه المصطلحات هي مصطلحات كأصل مصطلحات غريبة دخيلة، لكن حينئذٍ لا بد أن يتعين على طالب العلم من أجل يحقق هذه العلوم وأن يعرف الحق منها من الباطل وأن يعرف مأخذ أهل البدع في باب المعتقد لا بد أن يكون له مشاركةً في هذا الفن فيأخذ شيئًا يسيرًا، وإن احتاج إلى زيادة فحينئذٍ هو الذي يسعى بنفسه إلى تتميم نفسه، إذًا الأصل فيه أنه يُستغنى عنه، ولكن لما وُجد حينئذٍ لا بد من دراسته #وإيصاله ٥.٠٩ من أجل أن نفهم معاقل أهل البدع ومن أجل أن نفهم المسائل التي بناها الأصوليون على هذا الفن، وأما مقولة الغزالي رحمه الله تعالى: من لا معرفة له بالمنطق لا يوصف بعلم. هذه مردودة، يعني: يرمى بها عرض الحائط ولا يلتفت إليها لأنه إذا كان الأمر كذلك فالصحابة بل النبي ﷺ لم يتكلم بهذا العلم، كذلك الصحابة وكبار الأئمة والتابعين وتابعي حينئذٍ لم يتكلم بهذا العلم ولم يعرفوه، وإن كان بعضهم يعتبر من الأمور التي تكون مركوزة في النفس، يعني: الاختلاق من الجزء إلى الكل، ومعرفة الجزئيات قبل الكليات، بعضها موجودة في النفس ولا يمكن أن يتوصل شخص إلى معرفة الكليات إلا بعد معرفة الجزئيات، لكن هذه أمور مقصور عليها الناس حينئذٍ صارت بعض المنطق كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: هو موجود عند العقلاء الأذكياء الفطناء. وأما من لا معرفة له بعلم المنطق لا يوصف بعلم هذه بالمنطوق والمفهوم مردودة وغير ويرمى بها عرض الحائط. نشرع في النظم قد ذكر جملة مما يتعلق بالمبادئ العشرة في ضمنها ونأتي عليها إن شاء الله تعالى. قال الناظم رحمه الله تعالى: (بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا ... نَتَائِجَ الفِكْرِ لأَرْبَابِ الحِجَا وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ... كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ

1 / 2

(بسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيْمِ) هذا بدأ من الناظم كغيره من أهل العلم أرباب التصنيف والتأليف أنهم يبدؤون الكتب والمصنفات بالبسملة، وقد صار إجماعًا عمليًّا بين أهل العلم، كل من شرع في كتاب حينئذٍ يبدأ بالبسملة، ولكن هنا النظم مغاير للنفي، وأما المنثور هذا متفق عليه أنه يُستحب أن يأتي بالبسملة، وأما الشعر وهذا نوع منه حينئذٍ ثَمَّ خلاف لكن هذا الذي معنا المتون العلمية هذه مجمع على جواز الإتيان بالبسملة لابتداء المنظومات، وأما ما عداها فهو الذي وقع فيه خلاف، والصحيح أنه يقال: أنه يدور مع الأحكام الخمسة، إن كان الشعر محرمًا حرم الإتيان بالبسملة، إن كان الشعر مكروهًا كالغزل ونحوه كره حينئذٍ الإتيان بالبسملة، إن كان جائزًا فالجواز، وإن كان مستحبًا كما هو في متون المقاصد وعلوم الآلة # .... ٠٨.٠١ علوم آلة، حينئذٍ نقول: هذا يعتبر من المستحب. ابتدأ هنا اقتداءً بالكتاب والسنة، وكذلك عملًا بقول النبي ﷺ: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر». وفي رواية: «أقطع». وفي رواية: «أجزم». هذه الرواية اعتمدها كثير من أرباب التصنيف لأن الحديث هذا ضعيف بجميع طرقه، والأولى أن يقال: اقتداءً بالسنة الفعلية. كان النبي ﷺ يكتب إلى الملوك ونحوهم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم. بسم الله بدأ بالبسملة وهذه سنة فعلية لأنها كتابة، والكلام في البسملة شهير موجود في غير هذا الموضع. (الحَمْدُ لِلَّهِ) ثنى بالحمدلة بعد البسملة، وأيضًا يقال فيه ما قيل في السابق الأولى أن يحتج بأنه اقتداء بالكتاب حيث بدأ بالحمدلة بعض البسملة سورة الفاتحة ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، كذلك الاقتداء بالسنة الفعلية من النبي ﷺ حيث إذا كان يخطب حينئذٍ يأتي بالحمدلة، وأما حديث: «كل أمر ذي بال لا يبدئ فيه بالحمد لله فهو أبتر». أو «أقطع». أو «أجزم». هذا كسابقه حديث ضعيف، (الحَمْدُ لِلَّهِ) أي: الحمد مختصًا أو ملكًا أو استحقاقًا لله. والحمد في اللغة هو: الثناء بالكلام على المحمود بجميل الصفات، وأما عرفًا يعني: في اصطلاح أرباب التصنيف. فهو: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعمًا على الحامد أو غيره. وأولى من هذه التعاريف أن يقال: الحمد هو ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ذكر محاسن المحمود سواء كانت هذه المحاسن صفات فعلية أو صفات ذاتية، مع حبه وإجلاله وتعظيمه لا بد أن يكون هذا الوصف مقارنًا للمحبة والتعظيم، فإن خلا عن المحبة والتعظيم حينئذٍ يكون بعد حل ... #١٠.١٥، والفرق بين المدح والحمد هو: وجود المحبة والتعظيم.

1 / 3

(الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَدْ أَخْرَجَا) (الَّذِي قَدْ) قد هنا للتحقيق و(أَخْرَجَا)، الألف هذه للإطلاق، وأخرج بمعنى أظهر وأوجد، (نَتَائِجَ الفِكْرِ)، هذا مفعول أخرج (نَتَائِجَ الفِكْرِ)، أي: النتائج التي تنشأ عن الفكر، حينئذٍ يكون بإضافة المسبب إلى السبب، فكر سبب والنتائج مسبب، حينئذٍ يكون من إضافة المسبب إلى السبب، (نَتَائِجَ) فَعَائِل جمع نتيجة. والنتيجة في اللغة هي: الثمرة والفائدة. وأما في الاصطلاح عند المناطقة كما سيأتي: القول اللازم من تتميم قولين لذاتهما، وهذا سيأتي في محله، وإنما أراد الناظم هنا أن يأتي ببراعة الاستهلال، وهي مقصودة عندهم وتعتبر من أنواع البيان والبديع أن يأتي في طالعة كلامه بما يشعر بالمقصود، هذا يريد أن يبين لك أنه أراد أن يكتب وينظم في فن المنطق، لأن الفكر والنتائج وما سيأتي ذكره إنما يبحث في فن المنطق، (نَتَائِجَ الفِكْرِ) الفكر بالكسر ويفتح فِكْر وَفَكْر والمشهور هو الكسر، والمراد به إعمال النظر في الشيء، هذا في اللغة، وفي المختار فَكَّر تأمل، ويطلق عندهم الفكر مرادفًا للنظر وسيأتي بحثه، ويطلق ويراد به حركة النفس في المعقولات حركة النفس النفْس المراد بها عند المناطقة القوة الفكرية القوة العاقلة القوة التي يحصل بها التفكير، ويطلق عليها النفس، حركة النفس يعني: انتقالها من المبادئ إلى المطالب. في المعقولات، يعني: لا في المحسوسات. يعني: حركة النفس في المحسوسات تسمى تخليلًا، وهذا يسمى فكرًا، إذًا (نَتَائِجَ الفِكْرِ)، الفكر المراد به هنا النظر (لأَرْبَابِ الحِجَا)، يعني: لأصحاب. أرباب جمع رَب فعل، والمراد به أصحاب، و(الحِجَا) المراد به العقل، كأنه قال: لأرباب العقول. لأن بحثه إنما يكون في المعقولات، كل بحث المناطقة إنما هو في المعقولات ثم هذه المعقولات يعبر عنها بالألفاظ وبذلك سيأتي باب الدلالات ونحوها، (أَخْرَجَا نَتَائِجَ الفِكْرِ لِأَرْبَابِ الحِجَا)، (لِأَرْبَابِ)، يعني: أصحاب، يعني: أرباب مضاف و(الحِجَا) مخصص مضاف إليه، وأل هنا قال الشارح: للكمال. يعني: للعهد العلمي، مراد المعهود الفرد الكامل، وهذا عند بعضهم يعظمون بدع المنطق ويجعلون أهله كأنهم هم العقلاء الذين بلغوا غاية العقل وأن غيرهم دونهم وهذا فيه نوع غلو. ..................... ... ................. لأَرْبَابِ الحِجَا وَحَطَّ عَنْهُمْ مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ ... كُلَّ حِجَابٍ مِنْ سَحَابِ الجَهْلِ

1 / 4

حط بمعنى أزال، وهذا معطوف على قوله: (أَخْرَجَا). (أَخْرَجَا) (وَحَطَّ) من عطف السبب على المسبب، لأن حط الحجاب سبب في إخراج النتائج، لأنه متى تظهر النتائج؟ إذا أزيل الحجاب عن العقل، وأما إذا كان العقل محجوبًا عن الفكر حينئذٍ لا يمكن أن تظهر النتائج، فيكون من عطف السبب على المسبب (وَحَطَّ عَنْهُمْ)، الضمير يعود إلى أرباب الحجا، (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ) (مِنْ) بمعنى عن لأن حط أزال عن ولا يتعدى بمن (سَمَاءِ العَقْلِ)، هذا من إضافة المشبه به للمشبه، يعني: من العقل الذي هو كالسماء، شبه العقل بالسماء (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)، يعني: من العقل الذي هو كالسماء، وهذا فيه تشبيه للعقل بالسماء، لأن العقل يكون محلًا لطلوع الكواكب الحسية، والسماء تكون محلًا لطلوع الكواكب الحسية، الأمور التي هي محسوسة، والعقل يكون محلًا لطلوع الأفكار التي هي الأمور المعنوية، ففيه تشبيه بطلوع، (مِنْ سَمَاءِ العَقْلِ)، يعني: من العقل الذي هو كالسماء. شبه العقل بالسماء لأنه محل لطلوع شموس المعارف المعنوية، كما أن السماء محل لظهور شموس الإشراق الحسية (كُلَّ حِجَابٍ)، (كُلَّ) بالنصب هذا مفعول حط يعني: أزال كل حجاب. والحجَاب المراد به المانع والحائل، حجبه يعني: منعه، ومنه باب الحجب عند الفرضين حده المنع (كُلَّ حِجَابٍ مِنْ)، هذه بيانية (سَحَابِ الجَهْلِ)، يعني: من الجهل الذي هو كالسحاب، فشبه الجهل بالسحاب، والمراد بالجهل هنا الجهل المركب، لأنه هو الذي يعتبر وجوديًّا، وأما الجهل البسيط هذا ليس بوجودي وإنما هو عدم، من الجهل الذي هو كالسحاب عندنا جهل وسحاب، إذًا شبه الجهل بالسحاب بجامع أن كلًا منهما يحجب ويمنع، الجهل يمنع ماذا؟ يمنع من إدراك الأمور المعنوية، الجهل يمنع من إدراك الأمور المعنوية، كما أن السحاب يمنع من إدراك الأمور الحسية، إذًا بجامع أن كلًا منهما يحجب عن الإدراك، جهل يحجب عن إدراك الأمور المعنوية، والسحاب يحجب ويمنع إدراك الأمور الحسية. حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ

1 / 5

(حَتَّى)، هذه يأتي المصنف في شرحه تفريعية، يعني: يتفرع مما سبق ما بعده، وعند بعض أو أكثر الشراح جعلوها للانتهاء، يعني: إذا أتى حتى على بابها # .... [١٦.٥، فالحرف حينئذٍ يكون تدريجيًّا بمعنى أنه يحصل شيئًا فشيئًا، (بَدَتْ)، يعني: ظهرت. (لَهُمْ)، لأرباب العقول (شُمُوسُ المَعْرِفَةْ)، يعني: المعرفة التي هي الشموس، والناظم هنا هو ناظم «الجوهر المكنون» يعتبر الأخضري من أئمة البلاغة، لذلك كلامه فيه التشبيه فيه جناس وفيه استعارات ونحو ذلك (شُمُوسُ المَعْرِفَةْ)، يعني: المعرفة التي كالشموس، بجامع أن كلًا منهما ينتفع به، وجه الشبه هنا الانتفاع ينتفع بكل منهما، (المَعْرِفَةْ) لا شك أنه ينتفع بها، والشمس كذلك ينتفع بها إلا أن الانتفاع بالشمس انتفاع حسي، والانتفاع بالمعرفة انتفاع معنوي، حتى ظهرت لهم شموس المعرفة معرفة يعني: المعرفة التي كالشموس في الانتفاع بها، (رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ) (رَأَوْا) على حذف الفاء يعني: بدت فرأوا، فاء للتفريع (مُخَدَّرَاتِهَا)، جمع مخدرة وهي: المرأة المستترة. مخدرة (مُخَدَّرَاتِهَا) اسم مفعول والضمير هنا يعود إلى شموس المعرفة، يعني: رأوا مخدرات شموس المعرفة. والمراد به أو بالمخدرات المسائل الخفية، كما أن المرأة تستر في الخدر تختفي ورائه، كذلك بعض المسائل تختفي، وهذا واضح بين سواء كانت العلوم الشرعية أو في غيرها (مُخَدَّرَاتِهَا)، هنا جمع مخدرة وهي: المرأة المستترة تحت الخدر. والمراد بالضمير هنا يرجع إلى شموس المعرفة، أي: مخدرات شموس المعرفة. أي: مسائلها الخفية. وبعضهم عبر بمسائلها إفصاحًا، شُبِّهَتِ المسائل هنا بالعرائس المستترة تحت الخدر، إذًا حَتَّى بَدَتْ لَهُمْ شُمُوسُ المَعْرِفَةْ ... رَأَوْا مُخَدَّرَاتِهَا مُنْكَشِفَةْ أي: متضحة. ومقصوده من هذا البيت انتهاء زوال الحجاب عن عقولهم لظهور شمس المعارف التي كانت مستترة بخدرها # ١٩.٢٥. ثم قال الناظم بعدما حمد الله تعالى وذكر شيئًا من براعة الاستهلال، والألفاظ التي يستخدمها المناطقة ببراعة الاستهلال، أعاد الحمد مرة أخرى ولكن بصيغة أخرى، حمد بجملة اسمية أولًا، ثم حمد بالجملة الفعلية.

1 / 6

(نَحْمَدُهُ)، أي: نثني عليه الثناء اللائقة بجلاله، وفرق بين الجملتين أن الجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام، والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتذلل، ولما كان متعلق الحمد في الأول، وهذا معنى صحيح ثابت، يعني: لا بد أن نقول بالتغايب، لأن النبي ﷺ قال: «إن الحمد لله نحمده». إذا قلت بأن كلا الجملتين بمعنى واحد صارت الجملة الثانية حشوًا وتكرار، فلا بد من إظهار الفرق بين الجملتين فيقال: إن الحمد لله. علق الحمد بالله المتصف بصفاته، والذات باقية مستمرة فناسب أن يأتي بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار (نَحْمَدُهُ)، حينئذٍ علقه بالنعم، والنعم هذه لا تزال تجدد وتحصل تكون شيئًا بعد شيء، فناسب أن يأتي بجملة فعلية الدالة على الثبوت والتجدد، إذًا فرق بين النوعين (نَحْمَدُهُ)، إذًا أتى بالجملة الفعلية لمناسبة قوله ﷺ: «إن الحمد لله نحمده». وللفرق بين الجملتين، وإن كان الأولى هنا أن يأتي بالهمز أحمده لأنه يتكلم عن نفسه، وإنما أتى بالنون الدالة على العظمة إظهارًا لتعظيم الله له بتأهله بالعلم محدثًا بنعمة الله تعالى. (جَلَّ)، أي: عظم. والجملة هنا حالية على حذف قد، يعني: قد جل. أو اعترافيه، (عَلَى الإِنْعَامِ) متعلق بقوله: (نَحْمَدُهُ). نحمده على ماذا؟ على الإنعام، وعلى هنا تعليلية، كما في قوله: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٥]. يعني: لأجل هدايته إياكم، هنا نحمده جل وعلا لأجل إنعامه، فعلق الحمد بالإنعام، والإنعام مصدر أَنْعَمَ يُنْعِمُ وهو: إعطاء النعمة. حينئذٍ الإنعام متجدد يكون شيئًا بعد شيء، وكذلك الحمد ناسب أن يكون متجددًا، (عَلَى الإِنْعَامِ) (الإِنْعَامِ) مصدر أَنْعَمَ يُنْعِمُ إِنْعَامًا المراد به إعطاء النعم، لذلك جاء في المصدر ولم يأتي في ثمرة المصدر، ثمرة المصدر ما هو؟ النعمة، لم يذكر النعمة لئلا يقيد الحمد بنعمة دون أخرى إذا كانت النعم لا تعد ولا تحصى ما لفظ الذي يعبر عن هذه النعم؟ هذا لا يمكن فأتى بالمصدر للدلالة على أن الله تعالى هو المنعم فحينئذٍ يترتب عليه نعم لا تحصى ولا تعد.

1 / 7

(بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ) (بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ) الإضافة هنا بيانية يعني: بنعمة هي الإسلام. الإضافة البيانية أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف، يعني: تفك اللفظ وتجعل المضاف مبتدأ، والمضاف إليه خبر بنعمة هي: الإسلام. (بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ) قال: (بِنِعْمَةِ). ومقتضى الظاهر أن يقول: بنعمتي الإيمان والإسلام. لكن هذا يعبر عنه بأنه حدث من الثاني لدلالة الأول عليه، والأصل بنعمة الإيمان ونعمة الإسلام فليس معطوف، قوله: الإسلام. ليس معطوف على الإيمان لو كان معطوفًا عليه لاقتضى المقام أن يقول: بنعمتي الإسلام والإيمان. والإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا فيفسر الإسلام بالإعمال الظاهرة، والإيمان بالأعمال الباطنة، لكن هذا ينبغي أن يقيد بالأعمال الظاهرة وبما لا تصح الأعمال الظاهرة إلا به، يعني: ليس على إطلاقه هكذا كما قد يظن البعض إذا اجتمعا افترقا طيب إذا اجتمعا ماذا يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة مطلقًا مجرد عن الأعمال الباطنة؟ لا وإلا لصدق على المنافق أنه داخل في هذا التركيب، وإنما نقول: يطلق الإسلام على الأعمال الظاهرة، ثم هذه الأعمال الظاهرة من شرط صحتها ضعف أعمال الباطن كـ: الإخلاص، أو الرجاء. ونحو ذلك فلا بد من جزء وقدر من الإيمان يصحح الأعمال الظاهرة، والعكس بالعكس الإيمان يطلق ويراد به الأعمال الباطنة مطلقًا دون الظاهر؟ لا، لا بد من وجود هذا الباطن المستلزم للظاهر، لأن الباطن الذي هو التفريق والانقياد [لا يعتبر وحده إلا إذ كان] (١) لا يعتبر صحيحًا إلا إذا كان مستلزمًا للظاهر وإلا هو فاسد، ولذلك التلازم بين الباطن والظاهر عند أهل السنة والجماعة أن الظاهر قيد شرط صحة أو ركن في صحة الباطن، حينئذٍ لا بد من أن يقيد الباطن بأنه باطن وبما لا يصح إلا به، وهو ما يعبر عند أهل السنة والجماعة به في العمل، ولذلك جعلوه ركنًا في صحة الإيمان، الإِيمان اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان، ما مناسبة هذه الثلاث؟ نقول: هذه كلها أركان، إذا التقى واحد منها بالكلية حينئذٍ نقول: ذهب وزال الإيمان. ...................... ... بِنِعْمَةِ الإِيْمَانِ وَالإِسْلاَمِ مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ ... وَخَيْرِ مَنْ حَازَ المَقَامَاتِ العُلاَ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ كُلِّ مُقْتَفَى ... العَرَبِيِّ الهَاشِمِيِّ المُصْطَفَى

(١) سبق.

1 / 8

(مَنْ خَصَّنَا)، (مَنْ) هذا بدل من الضمير في قوله: (نَحْمَدُهُ). الضمير هنا يعود إلى الله ﷿، (مَنْ خَصَّنَا)، يعني: الذي خصنا. فهو بدل من الضمير المنصوب هنا محلًا في (نَحْمَدُهُ)، (مَنْ خَصَّنَا) نَا هنا يعود إلى المسلمين، يعني: أمة الإجابة. ويحتمل أنه عام، يعني: يشمل أمة الإجابة، وأمة الدعوة. (مَنْ خَصَّنَا)، يعني: الذي خصنا وميزنا معاشر المسلمين. (بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ) (بِخَيْرِ)، يعني: بمتابعة خير. خَير هذا أفعل تفضيل بمعنى أفضل (مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ) (أُرْسِلاَ) الألف هذه للإطلاق، وقد للتحقيق، ومن هنا اسم موصول بمعنى الذي، يصدق على ماذا؟ بعضهم فسره برسول لكن هذا يلزم ماذا؟ رسول قد أرسلا، وهذا فيه من حيث المعنى فاسد، وإنما نقول: (بِخَيْرِ مَنْ). يعني: إنسان قد أرسلا، والأحسن أن يقال: بمن (بِخَيْرِ مَنْ)، يعني: بنبي قد أرسلا. (وَخَيْرِ مَنْ حَازَ)، يعني: وأفضل. (مَنْ حَازَ المَقَامَاتِ العُلاَ)، (مَنْ) يعني: إنسان، أو نبي، أو رسول. (حَازَ) بمعنى جمع (المَقَامَاتِ)، أي: المراتب. و(العُلاَ) أي: الرفيعة. جمع عُلْيَا ضد السفلى عُلْيَا بالمد والضم والقصر عُلْيَا فُعْلان والعلا جمعه. مَنْ خَصَّنَا بِخَيْرِ مَنْ قَدْ أُرْسِلاَ ... وَخَيْرِ مَنْ حَازَ ............... أي: جمع. (المَقَامَاتِ)، المراتب العلا. (مُحَمَّدٍ)، هذا بدل من قوله: خير. (بِخَيْرِ) من هو خير من قد أرسلا؟ قال: (مُحَمَّدٍ). فيجوز أن يكون ماذا؟ خبر مبتدأ محذوف هو محمد (سَيِّدِ)، هذا عطف بيان أو بدل وهو مضاف، و(كُلِّ) مضاف إليه، والسيد يطلق على الرئيس، والشريف، والكريم، ومتولي السواد أي: الجيوش العظيمة الكثيرة. (كُلِّ مُقْتَفَى)، أي: متبع. والمتبع هم: الرسل. فإذا كان الرسول ﷺ سيد المتبوعين فهو سيد التابعين من باب أولى وأحرى، لأن كل رسول له تابعون فإذا كان النبي ﷺ سيد الأنبياء والمرسلين، فهو سيد من تبع الأنبياء والمرسلين، (سَيِّدِ كُلِّ مُقْتَفَى العَرَبِيِّ)، يعني: منسوب للعرب، وهم: بنو إسماعيل. (الهَاشِمِيِّ)، أي: منسوب إلى هاشم. وهو: جد النبي ﷺ الثاني. (العَرَبِيِّ)، هذا عام يشمل هاشمي وغيره، و(الهَاشِمِيِّ) هذا خاص، (المُصْطَفَى)، أي: المختار. مأخوذ من الصفوة والصفوة من كل شيء خالصه، إذًا (المُصْطَفَى) يعني: من سائر المخلوقات، وهذا فيه إشارة إلى الحديث المشهور: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم فأنا خيار، من خيارٍ، من خيار». صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ مَادَامَ الحِجَا ... يَخُوضُ مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا

1 / 9

يعني: ثنى بالصلاة على النبي ﷺ بعد أن أثنى على خالقه جل وعلا، (صَلَّى)، هذه جملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى، (صَلَّى عَلَيْهِ)، يعني: أثنى عليه. الصلاة كما قال أبو العالية: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. هذا هو المرجح، (صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ)، يعني: أثنى عليه. على محمد سيد كل مقتفى الله، (مَادَامَ الحِجَا يَخُوضُ)، هنا صلى ولم يسلم لم يأتي بالسلام ﷺ، هذا بناءً على الصحيح أنه لا يكره إفراد الصلاة عن السلام ولا السلام عن الصلاة، بل قال كثير من الفقهاء بالكراهة، يعني: يكره أن يأتي بالصلاة دون السلام، أو بالسلام دون الصلاة، والصحيح أنه لا كراهة، وذهب ابن حجر رحمه الله تعالى أن الكراهة مخصوصة بمن كان من عادته، أما الذي يأتي أحيانًا بالصلاة دون السلام أو بالعكس وفي الغالب أنه يجمع بينهما فلا كراهة، والصحيح أنه يقال مطلقًا لا كراهة لعجز الدليل، لأن الكراهة حكم شرعي، أين النهي؟ لم يرد النهي، الجمع بالآية ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا﴾ [الأحزاب: ٥٦]، نقول: هنا دلالة الاقتران لا تدل على أنه لا بد من اجتماعهما. فلا شك أن الأكمل أن يجمع بينهما امتثالًا الآية، وليس الكلام في الأكمل والأفضل، إنما الكلام هل يكره الإفراد أو لا؟ والصحيح أنه لا يكره، (مَا دَامَ الحِجَا) (مَا) هذه مصدرية ظرفية، يعني: مدة دوام الحجا، يعني: العقل. (يَخُوضُ)، يعني: يقطع. (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا) (مِنْ) هنا للتبعيض (بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا)، يعني: من المعاني التي هي كالبحر في الكثرة والاتساع، يعني: وجه الشبه الكثرة والاتساع، لا شك أن البحر واسع متسع، والمعاني مسائل لا شك أنها كذلك متسعة، (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي لُجَجَا)، (لُجَجَا) جمع لجة من ذلك قد جاء قوله تعالى: ﴿فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ [النور: ٤٠]. فلججا هذا جمع لجة وهو: الماء العظيم المطرد. يخوض لججًا من بحر المعاني، لججًا هذا مفعول لقوله: يخوض. يعني: يقطع لججًا، والمراد بها هنا المسائل الصعبة (مِنْ بَحْرِ المَعَانِي)، يعني: من المعاني التي هي كالبحر.

1 / 10

(وَآلِهِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الهُدَى) (وَآلِهِ)، آل هذا اسم جمع لا واحد له من لفظه (وَآلِهِ)، المراد به هنا أتباعه على دينه، في هذا المقام الأولى أن يفسر بالآل (وَآلِهِ)، أي: أتباعه على دينه، وهو معطوف على قوله: (صَلَّى عَلَيْهِ). (وَآلِهِ)، يعني: عطف على الضمير، وهذا عند أكثر النحاة المنع لا بد أن يأتي بحرف جر، يعني: وعلى آله. لا بد أن يصرح بالحرف، والصحيح أنه لا يشترط ذلك (وَآلِهِ)، أي: أتباعه على دينه. (وَصَحْبِهِ)، اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع بالنبي ﷺ مؤمنًا به ومات على ذلك، (وَصَحْبِهِ) هذا من عطف الخاص على العام إذا فسرنا الآل بأنه أتباعه على دينه، والنص وردت الصلاة على الآل ولم يرد الصلاة على الصحب «قولوا: اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد». إذًا جاء بالآل، وأما الصحب فهذا لم يرد، ولكن ألحقوا بالآل، (وَصَحْبِهِ ذَوِي) هذا نعت صفة للصحب (ذَوِي)، جمع ذو وهو جمع شاذ، لأنه لم يجمع ذو جمع مذكر سالم، (ذَوِي) هذا صفة للصحب فقط وهو مضاف والهدى مضاف إليه، (ذَوِي) بمعنى أصحاب (ذَوِي الهُدَى)، يعني: أصحاب الهدى الاهتداء، والمراد به الهداية للخلق وهي: الدلالة على طريق يوصل إلى المقصود، سواء حصلت الثمرة أم لا، يعني: ليس العبرة بهداية وإهداء الناس حصول الثمرة إنما المراد الطريق بيان الطريق الموصل إلى الاهتداء (مَنْ شُبِّهُوا)، يعني: الذين، وهذا نعت ثاني للصحب، ليس المراد به الآل وقوله: (ذَوِي الهُدَى مَنْ شُبِّهُوا). هذا مختص بالصحب يعني: الذين شبهوا هنا مغير الصيغة حذف الفاعل للتعظيم، يعني: الذي شبههم هو الله ﷿ أو النبي ﷺ، ولذلك في مثل هذه المواضع لا نقول أنه مبني للمجهول (شُبِّهُوا) ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧]، خلقه الله ﷿ هل نقول: خلق فعل ماضي مبني للمجهول؟ هذا غلط وإن شاع عند بعض المعربين، وإنما نقول: فعل ماضي مغير الصيغة لأجل التأدب مع الرب جل وعلا، (مَنْ شُبِّهُوا) قلنا: حذف الفاعل هنا للتعظيم، وهو فعل ماضي مغير الصيغة، (بِأَنْجُمٍ) جمع نجم وهو: الكوكب. غير الشمس والقمر (في الاهْتِدَا)، يعني: بجامع الابتداء. هذا بيان للجامع بين المشبه والمشبه به في الاهتداء بهم، حابك النجوم «بأيهم اقتديتم اهتديتم». هكذا ذكره الناظم هنا بناءً على هذا الحديث، هذا الحديث ضعيف جدًا حكم بوضعه. وَبَعْدُ فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ ... نِسْبَتُهُ كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ

1 / 11

أراد أن يذكر حد المنطق أو فائدة المنطق (وَبَعْدُ)، يعني: بعد ما ذكر من البسملة والحمدلة والصلاة على النبي ﷺ والآل والصحب، (فَالمَنْطِقُ) (وَبَعْدُ)، هذا ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بإضافة لغيره، ولذلك يعبر عنه عند أرباب التصنيف لأنه يؤتى به للانتقال من أسلوب إلى أسلوب الآخر، والمراد بالأسلوب هنا ليس المراد به أسلوب التمني والاستفهام لا، المراد أسلوب المقدمة إلى نوع آخر من المقدمة، أو من أسلوب الحمد والثناء ونحو ذلك إلى الشروع في المقصور من أسلوب إلى أسلوب آخر (وَبَعْدُ)، وهي السنة لكن بلفظها أما بعد وأما بعد هذه فيها تجوز (فَالمَنْطِقُ)، يعني: العلم المخصوص المنطق في أصله مصدر ميمي مَفْعِل يطلق بالاشتراك على ثلاثة أمور: الأول: الإدراكات الكلية، يعني: الكثيرة. الإدراكات الكلية. الثاني: القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات. الثالث: النطق الذي هو التلفظ. وكلها مراده هنا، الإدراكات الكثيرة، القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات، ثالثًا: النطق الذي هو: التلفظ. وهذا الفن يكثر فيه الإدراك وبه تتقوى القوى العاقلة، وبه تكون القدرة على النطق فلما كان له ارتباط في كل من هذه المعاني الثلاث سمي بذلك، إذًا لماذا سمي علم المنطق منطقًا؟ نقول: لأنه في اللغة يطلق على هذه المعاني الثلاث، ولما كانت هذه مترابطة وموجودة في هذا الفن حينئذٍ سمي منطقًا لأن بحثهم في العلم كما سيأتي تصورات وتصديقات والتصور والتصديق قسمان للعلم وما هو العلم؟ هو: إدراك. إذًا بحثهم أصله في ماذا؟ في الإدراكات كلية وهي كثيرة، ثم هذه الإدراكات لاستعمالها تقوي النفس العاقلة ثم لا بد من التعبير، إذا توصل إلى نتيجة نَتيجة بحث فكري عقلي نظري حينئذٍ لا بد أن يعرف كيف يدخله إلى غيره؟ لا بد أن يتلفظ، إذًا هذه كلها ثلاث بسببها سمي المنطق منطقًا. والمنطق في الاصطلاح عندهم: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الذكر، آلة قانونية، آلة هي: الواسطة بين الفاعل والمنفعل به. قالوا: كالمنشار. المنشار بالنسبة للنجار آلة هو: فاعل. والمنفعل هو: قطع الخشب. والآلة وسيلة بين الفاعل والمنفعل، ما هو الفاعل؟ النجار، والمنفعل؟ هو: قطع الخشب. حينئذٍ صار المنشار وسيلة بين الفاعل والمنفعل، إذًا المنطق وسيلة بين الفاعل الذي هو مريد الإدراك، وبين المنفعل الذي هو الوصول إلى التصورات والتصديقات، كما سيأتي، إذًا العلم هذا آلة لكنه ليس آلة موصلة لعلوم الشريعة كما ذكرناه سابقًا، فلا تتداخل الألفاظ.

1 / 12

قانونية نسبةً إلى القانون، والمراد به ما يرادف الأصل والضابط والقاعدة، فهي قضية كلية يتوصل بالنظر فيها إلى معرفة أحكام جزئيات موضوعها، أو يتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها، القاعدة التي يتعرف في أصول الفقه القواعد الفقهية، وقانونية المراد بها أن المنطق كالنحو، كما نقول: النحو الفاعل مرفوع هذه قاعدة يُتوصل بالنظر فيها إلى الوصول إلى إدراك الجزئيات المندرجة تحت الموضوع فزيد من قولك: جَاءَ زَيْدٌ. فاعل، لماذا؟ لأن الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، وهكذا كما تقول: [مقتضى الأمر يقتضي] (١) مطلق الأمر يقتضي الوجوب. فهي قاعدة عامة، كذلك عندهم هنا قواعد منطقية لا بد من مراعاتها من أجل ماذا؟ من أجل الوصول إلى الفكر الصحيح، لأن الفكر الذي هو حالة حركة النفس في المعقولات قد يكون خطئًا وقد يكون صوابًا، فالذكر قد يكون صوابًا وقد يكون خطئًا، ما الذي يميز هذا عن ذاك؟ لا بد من قواعد، ولا بد من ضوابط، ولا بد من أصول يُرجع إليها، هي التي تبحث في هذا الفن. آلة قانونية تعصم، يعني: تحفظ. مراعاتها. يعني: ملاحظاتها. الذهن عن الخطأ في الفكر، وهذا قالوا: رأي ليس بحل، وعرفه العطار في حاشيته على ايساغوجي، هو: علم يعرف به الفكر الصحيح من الفاسد، إذًا لو قيل: ما هو أو ما هي حقيقة علم المنطق؟ نقول: قواعد وأصول يتوصل بها إلى معرفة الفكر الصحيح من الفكر الفاسد. لأن الفكر هو: حركة النفس بالمعقولات ترتيب أمور معلومة يتوصل بها إلى مجهولات، ليس كل من ركب معلومات وصل حتى في حياة الناس العادية ليس كل من رتب شيء ووصل إلى نتيجة يكون مصيبًا، قد يكون مصيبًا وقد يكون مخطئًا، هنا القواعد هذه مراعاتها والنظر فيها وحفظها ومعرفة جزئياتها يتوصل بها إلى معرفة هذه المجهولات على وجهٍ صحيح. وموضوعه: الحدود والبراهين وما يتركب منه. يعني: كل من الحدود والبراهين. واستمداده: من العقل، وإذا قيل: من العقل. يعني: العقل البشري. والعقل البشري ليس معصومًا، فحينئذٍ لذلك أرباب البدع لما استمدوا شرعهم وعقيدتهم من العقل اضطربوا، فكل من جعل العقل مصدرًا للتشريع حينئذٍ لا بد من الاضطراب لأن الفوارق بين العقول هذا أمر قطعي، العقول ليست متحدة ليست متماثلة، فإذا أرجعنا مثل هذه المسائل للعقل أي عقل؟ عقل من؟ عقل الرازي [أم] عقل الجويني [أم] عقل أرسطو، [أم] عقل مَنْ؟ وهذه كلها مختلفة، فإذا كان هذا العلم مبناه على مثل هذه الأمور حينئذٍ لا بد من الشرعية في داخله.

(١) سبق.

1 / 13

قالوا: فضله عام النفع. هكذا قالوا، لكن هذا فيه نظر عام النفع يعني: نفعه عام. نحيط بأنه في فهم الشريعة كما ذكرنا سابقًا هذا باطل لا يمكن أن يجعل فهم الشريعة مرتبطًا بعلم المنطق لأنه علم دخيل ليس من علوم أهل الإسلام، حينئذٍ ربط الشريعة به نقول: هذا باطل، وإن كان المراد به أنه ينتفع به في تصحيح بعض المعلومات عند الشخص لأن فيه شيء من ما هو حق، قد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على المنطقيين أن كثير من المسائل التي هي صحيحة عند المناطقة مرفوضة بالفطر، وعليه إذا عرف بعض تلك المصطلحات حين ذلك لا حرج في ذلك، وكذلك يستفيد منهم في فهم ما يذكره الشراح في العلوم المختلفة، إذًا فضله عام النفع ويقيد بما ذكرناه، مسائله ما سيأتي بحثه في هذه المنظومة. (فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ)، يعني: للقلب. والمراد به القوة الفكرية. (نِسْبَتُهُ)، يعني: فائدته. أراد أن يبين فائدة المنطق، فالمنطق نسبته للجنان للْجنان متعلق بقوله: نسبته. يعني: فائدته. والضمير في نسبته يعود إلى المنطق، (كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ)، يعني: كنسبة النحو للسان، النحو ما فائدته؟ يعصم اللسان عن الوقوع في الخطأ، إذا يتعلم النحو ولو تكلم الإنسان هكذا دون علم في علم النحو هل كل كلامه يقع صوابًا؟ لا، إذًا منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ، متى يكون صوابًا؟ إذا أجرى قواعد وأصول النحاة على كلامه، شبه علم المنطق بعلم النحو، الفكر قد يكون صوابًا وقد يكون خطئًا متى يكون صوابًا؟ إذا أجريت هذا الفن على قواعد وأصول المناطقة (كَالنَّحْوِ)، يعني: كنسبة النحو (لِلِّسَانِ). (فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا) (فَيَعْصِمُ) الفاء هذه للتفريع مفرع على التشبيه المذكور لأنه شبه المنطق بالنحو (فَيَعْصِمُ)، أي: يحفظ. (الأَفْكَارَ) جمع فكر، والمراد به الأنظار كما سبق (عَنْ غَيِّ الخَطَا)، يعني: عن وقوع غي، والغي الضلال ضد الهدى لكنه عام سواء كان عن عمد أو عن سهو، والخطأ ضد الصواب وهو يكون عن سهو، حينئذٍ يكون من إضافة العام إلى الخاص (عَنْ غَيِّ الخَطَا) غي مضاف والخطأ مضاف إليه، والغي هذا سواء كان عن عمد أو عن سهو، والخطأ لا يكون إلا عن سهو، إذًا يعصم الأفكار عن الوقوع في الخطأ والضلال، (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا) هذه الفائدة الثانية عن (دَقِيقِ الفَهْمِ) الفهم هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أي: المفهوم. وهو من إضافة ماذا؟ الصفة إلى الموصوف، يعني: عن المفهوم الدقيق (يَكْشِفُ الغِطَا) يزيل الغطا ينكشف، فالمنطق من استعمال القواعد التي ذكرها المناطقة يسهل به إلى المعاني الدقيقة فيكون له غوث في المعاني، وهذا قد يستفيد منه كذلك طالب العلم في فهم مثل هذه المعاني (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ)، أي: المفهوم. دقيق هذا ضد الكذب، والفهم المراد به المفهوم وأشار به إلى المسائل الصعبة المفهوم الدقيق، لأن المفهوم بمعنى المدلول الفهم هو: إدراك معنى الكلام. (يَكْشِفُ) ذلك العلم ويظهر (الغِطَا) بكسر الغين وهو: الستر.

1 / 14

لَمَّا بين لك هذه الفائدة التي عدها عظيمة وهي عندهم عظيمة قال: (فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا). شَوَّقَكَ أولًا لمعرفة الفائدة من علم المنطق ثم قال لك: (فَهَاكَ). خذ (مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا)، يعني: قواعد من أصوله. يعني: من قواعده. الأصل والقاعدة بمعنى واحد، والأصل ما يبنى عليه غيره (فَهَاكَ) الفاء هنا للفصيحة، أو يمكن أن تكون نعم للفصيحة إذا أردت هذا الفن لما علمت من ثمرته فخذ خذها، والكاف هذا حرف غطاء ها اسم فعل أمر (مِنْ أُصُولِهِ)، ليست كل الأصول وإنما بعض لأنه أريد مبتدئ كما ذكر الناظم فمن هنا للتبعيض، وأصوله الضمير يعود إلى المنطق، والأصول جمع أصل، (قَوَاعِدَا) الألف هذه للإطلاق وليست بدل عن التنوين لأن قواعد هذا ممنوع من الصرف، (قَوَاعِدَا) خذ قواعد قوَاعد هذا اسم مفعول به لاسم الفعل، والقاعدة كما سبق قضية كلية يتعرف بها أحكام جزئيات موضوعها فعندهم أصول وقواعد، كما أن الأصوليين عندهم أصول وقواعد، والنحاة عندهم أصول وقواعد فكل أصحاب فن عندهم أصول وقواعد كذلك المناطقة عندهم أصول وقواعد، (فَهَاكَ مِنْ أُصُولِهِ قَوَاعِدَا) قلنا: قواعد هذا مفعول لهاك. (مِنْ أُصُولِهِ)، هذا حال مقدم حال لقواعد، أي: خذ قواعد هي بعض أصوله. أي: قواعده. (تَجْمَعُ) تلك القواعد أو تجمع أنت يجوز الوجهان (تَجْمَعُ) تلك القواعد (مِنْ فُنُونِهِ)، يعني: من فروعه الجزئية. (فَوَائِدَا) والفروع هي المندرجة تحت القواعد (فُنُونِهِ) قلنا: أراد به ماذا؟ الفروع، لأن القواعد تحتها فروع كما أن الفاعل مرفوع تحته فروع (تَجْمَعُ مِنْ فُنُونِهِ)، أي: فروعه الجزئية المستفادة من تلك القواعد الكلية. (فَوَائِدَا) الفروع المندرجة تحت قواعد، أي: هذه القواعد تجمع فروعًا، والفروع تشتمل على فوائد، والفوائد جمع فائدة وهي: ما استفيد من علم، أو مال، أو جاه. إذًا قواعد تحتها فروع، وهذه الفروع مشتملة على فوائد، (سَمَّيْتُهُ) الضمير هنا يرجع إلى مؤلف الكتاب لكنه لم يذكره إنما يعود إلى شيء في الذهن هذا لا بأس به ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ﴾ [المائدة: ٨] الشيء المذكور عادة فمما فهم ما سبق أنه أراد أن ينصف، إذًا المصنَّف الذي أشار إليه عاد الضمير عليه (سَمَّيْتُهُ) الضمير يرجع للمؤلف المفهوم من السياق، (بِالسُّلَّمِ المُنَوْرَقِ) (بِالسُّلَّمِ) السلم هو ما يصعد به عادة إلى أعلى، يعني: الذي هو معرف معهود عند الناس، وقيل: السلم ما له درج يتوصل به من سفل إلى علو. فاستعماله في المعاني مجاز (المُنَوْرَقِ) وصفه بالمنورق بتقديم النون على الراء، مرونق في بعض النسخ، منورق هكذا أثبته المصنف فهو أولى منورق، أي: المزين المزخرف. (يُرْقَى) أي: يصعد. لأنه قال: سُلَّم.

1 / 15

إذًا لا بد من صعود لكن الصعود هنا صعود معنوي أو حسي؟ صعود معنوي ليس حسيًّا (يُرْقَى)، أي: يصعد به بهذا التأليف أو المؤلف أو السُّلم (سَمَاءُ) (يُرْقَى بِهِ) في هذا التأليف (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ) (سَمَاءُ) هذا نائب فاعل (عِلْمِ المَنْطِقِ)، يعني: علم المنطق الذي هو كالسماء، شبه علم المنطق بماذا؟ بالسماء، بجامع ماذا؟ الرفعة كل منهما مرفوع، وهذا كما ذكرنا أنهم بالغون في مدح هذا الفن، (سَمَاءُ عِلْمِ المَنْطِقِ)، أي: علم المنطق الذي هو كالسماء في الرفعة والشرف والعلو، كما أن السماء مرتفعة وكل مرفوع أو رفيع فهو شريف فكذلك علم المنطق. (وَاللهَ أَرْجُو)، يعني: أؤمل. (وَاللهَ) لا غير الله منصوب على التعظيم مفعول به مقدم وتقديم ما حقه التأخير يفيد الاختصاص ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥]، أي: لا نعبد إلاك. (وَاللهَ أَرْجُو)، أي: لا غيره. (أَرْجُو)، يعني: أؤمل، والأمل مع الأخذ بالأسباب (أنْ يَكُونَ خَالِصًا) (أنْ يَكُونَ) ذلك التأليف (خَالِصَا) من المكدرات التي تحبط العمل من الرياء ونحوه لأن هذا عمل صالح تأليف العلوم في الأصل أنه عمل صالح، حينئذٍ لا بد من حفظه مما يكدره من الرياء والسمعة ونحو ذلك. (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ لَيْسَ قَالِصًا) (لِوَجْهِهِ) الشراح يقولون: لذاته. تحريفًا للصفة انتبهوا لمثل هذه مزالق كثيرة في شروح علوم الآلة، علوم الآلة إذا جاءت الأسماء والصفات ونحوها حينئذٍ تحرف يقولون: (لِوَجْهِهِ) لذاته. نقول: لا، هم لا يثبتون صفة الوجه والحق الذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات هذه الصفة على الوجه اللائق به جل وعلا، من غير تشبيه وتكييف .. إلى آخره ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، (لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ)، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧]، ﴿وَجْهُ﴾ هذا فاعل، ﴿رَبِّكَ﴾ مضاف إليه، ﴿ذُو الْجَلَالِ﴾ هذا صفة للوجه، وصفاته ذات جلال وإكرام كما أن ذاته ذات إجلال وإكرام، كذلك ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي﴾ [الرحمن: ٧٨] قال: ﴿ذِي﴾. بالجر صفة لذات ﴿رَبِّكَ﴾ حينئذٍ الذات ذات جلال وإكرام كذلك صفاته. (لَيْسَ قَالِصًا) يعني: ليس ناقصًا، لأن النقص يدخله من حيث عدم إكماله أو من حيث عدم الانتفاع به إذا صاحبه شيء مما يكدره من فساد الدنيا ونحوها، (قَالِصًا) الأصل يطلق على صفة البعير الناقص عن أختها، ثم أطلق الناقص مطلقًا، إذًا (لَيْسَ قَالِصًا)، يعني: ليس ناقصًا.

1 / 16

(وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي) (وَأَنْ يَكُونَ) هذا عطف على خالصًا أن يكون خالصًا، (وَأَنْ يَكُونَ نَافِعًا لِلْمُبْتَدِي)، المبتدئ هو: الآخذ في قراءة العلم، من ليست له قدرة على تصدير مسائل الفن. جديد يعني، فإن قدر على ذلك المتوسط، وإن أقام الدليل عليه فهو منتهي، قسم الطلاب إلى ثلاثة أقسام: مبتدئ، ومتوسط، ومنتهي. الذي ليست له قدرة على تصوير المسائل هو المبتدئ، وإذا استطاع وقدر أن يصور المسألة فقط ما هي شروطها؟ وأركانها .. إلى آخره فهو متوسط، إن أقام الدليل عليها فهو منتهي (بِهِ)، أي: بهذا السلم. (إِلَى المُطَوَّلاَتِ)، يعني: من الكتب. (يَهْتَدِي) يتوصل، وهذه عادته وهو حق، الطالب إذا أراد المطولات لا بد لها من طريق، وهذا الطريق هو الشروع في المختصرات، حينئذٍ توصل به إلى إبطال المطول من شرع بالمطولات لن يصل حتى يتقن بمعنى كلمة يتقن يعني: يحفظ ويفهم وإلى آخره ثم بعد ذلك تكون عنده قدرة في فهم المطولات. (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) المنطق نوعان: علم مشوب بِشُبَه الفلاسفة. يعني: فيه شيء دخيل من علم الفلسفة. النوع الثاني: علم خالص من شُبَه الفلاسفة. يعني: ليس فيه شيء من الفلسفة البتة. هذان نوعان لعلم المنطق، الناظم رحمه الله تعالى أراد أن يبين المنطق الذي ليس مشوبًا بعلم الفلاسفة فجره ذلك إلى إدخال الخلاف في النوع الأول قلنا: العلم علمان: مشوب بعلم الفلاسفة هذا وقع فيه نزاع هل يحوز قراءة هذه الكتب ويتعلم طالب العلم هذا المنطق أو لا؟ هذا محل خلاف وهو الذي ذكره الناظم هنا، وأما النوع الثاني وهو: علم المنطق الخالص. يعني: المصفى الذي صفاه العلماء وخلصوه من شبه الفلاسفة ولم يكن فيه شيء من الشبه التي أدخلها الفلاسفة، هذا العلم النوع الثاني متفق على جواز الاشتغال به، وحكي الإجماع على ذلك، ولذلك غلط الأخضري هنا في إدخال هذا الفصل في هذا الكتاب، لأن الكتاب هذا من أوله إلى آخره ليس في المنطق الذي هو مشوب بعلم الفلاسفة حينئذٍ كيف يذكر الخلاف في المنطق المشوب في كتاب ألفه في المنطق الخارج عن شبه الفلاسفة، ولذلك غلط رحمه الله تعالى في ذلك، حكي الإجماع على جواز دراسة هذا النوع لأنه مجرد اصطلاحات فليس فيه خلاف، إذًا قوله: (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ). هذا لو لم يذكره في هذا الموضع لكان أولى وأجزأ، لأن الكلام الذي سيذكره من الخلاف في الأقوال الثلاثة إنما هي في المنطق المشوب، وأما المنطق الخالص فليس فيه خلاف. (فَصْلٌ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ) قال: (وَالخُلْفُ). يعني: الاختلاف. الخلف هذا اسم مصدر بمعنى الاختلاف (وَالخُلْفُ فِي جَوَازِ الاِشْتِغَالِ بِهِ)، أي: وفي عدمه، وفيه اكتفاء، وفي عدمه به كائن (عَلَى ثَلاَثَةٍ أَقْوَالِ)، أقوال هذا بدل من ثلاثة، إذًا فيه ثلاثة أقوال، ما حكم دراسة علم المنطق؟ نقول: هذا فيه تفصيل إن كان العلم مشوبًا بشبه الفلاسفة وفيه شيء من معتقداتهم الباطلة ففيه ثلاثة أقوال. (فَابْنُ الصَّلاَحِ) تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري توفي سنة إحدى وأربعين وستمائة، (فَابْنُ) الفاء هذه فاء الفصيحة.

1 / 17

(وَالنَّوَاوِي) النووي النواوي وهذه الألف زائدة يعني: على غير اسمها، يعني: ينسب إليه إلى نوى نوويٌّ، هذا الفصيح، النواوي هذا نسبة على غير قياس وهو: محي الدين أبو زكريا يحيى بن الشرف توفي سنة ستة وسبعين وستمائة، (فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا)، الألف هذه اسم فاعل حرم الاشتغال به لماذا؟ لأنه لا يؤمن على المشتغل أن يقع في قلبه شبهة من شبه الفلاسفة فيزل ويضل حينئذٍ درئًا بهذه المفاسد قيل بتحريمه، (فَابْنُ الصَّلاَحِ وَالنَّوَاوِي حَرَّمَا) الاشتغال به لأنه لا يؤمن على الخائض فيه من أن يتمكن في قبض الشبه فيزل ويضل. (وَقَالَ قَوْمٌ)، القول الثاني ومنهم الغزالي (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا) (يَنْبَغِي) هنا هل تفسر بفرض الكفاية واجب أو المندوب؟ فيه خلاف، والمصنف في شرحه جعل (يَنْبَغِي) بمعنى يستحب، يعني: يتسحب النظر في هذا الفن (وَقَالَ قَوْمٌ يَنْبَغِي)، يعني: يجب كفاية أو يستحب، ولذلك كما ذكرنا مقولة الغزالي في معيار العلوم: من لا معرفة له بالمنطق لا يوصف بعلم، وهذه مقولة باطلة (يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَا)، (يُعْلَمَا) الألف هذه للإطلاق، يعني: يجب تعلمه أو يستحب. القول الثالث أشار إليه بقوله: وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ الصَّحِيحَةْ ... جَوَازُهُ لِكَامِلِ القَرِيحَةْ مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ ... لِيَهْتَدِي بِهِ إِلَى الصَّوَابِ يعني: القول الثالث من كان عنده سلاح يقف به في وجه الشبه حينئذٍ جاز له النظر في هذه الكتب، (وَالقَوْلَةُ المَشْهُورَةُ)، يعني: من كثرة قائليها، مشهورة وما سبق مشهور، التحريم كذلك مشهور والقول بالوجوب والاستحباب مشهور، وإنما هنا قال: (المَشْهُورَةُ). لكثرة قائليها مرجح عند الأكثرين هو ما ذكره في القول الثالث (الصَّحِيحَةْ)، يعني: بسبب قوة دليلها. (جَوَازُهُ) هل المراد بالجواز هنا استواء الطرفين أو مطلق الإذن؟ الظاهر كلام المصنف أنه استواء الطرفين، جائز بمعنى الجائز مباح، يعني: له فعله وله تركه. (لِكَامِلِ القَرِيحَةْ) يعني: التي هي الفطنة. قريحة مراد به فطنة وكامل يعني: ذكي. أي: لشخصٍ كامل القريحة. أي: صحيح الذهن سليم الطبع، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ)، يعني: مداوم متداوم بحيث عرف العقائد الحقة من العقائد الباطلة، وهذا يؤخذ الحق من الكتاب والسنة، ما يضاده الباطل يعني: الباطل لا يؤخذ نطقًا من الكتاب والسنة، وإنما إذا عرف الحق فضده يكون باطلًا، (مُمَارِسِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ لِيَهْتَدِي) هذا علة الجواب، يعني: كأنه قال: الدليل على هذا القول (لِيَهْتَدِي بِهِ)، أي: بهذا العلم. (إِلَى الصَّوَابِ)، إذًا ذكر الشروط. أولًا: كامل القريحة. ثانيًا: ممارس السنة والكتاب.

1 / 18

فإن لم يكن كامل القريحة بأن كان بليدًا فلا، تلتبس عليه الأمور إن كان كامل القريحة غير ممارس للكتاب والسنة كذلك لأنه لم يميز العقيدة الحقة من الذي يعرف الباطل إذا كان عنده الحق، وأما إذا لم يكن معه الحق حينئذٍ لا يعرف الباطل من الحق وهذا الخلاف كما ذكرنا هذه الأقوال الثلاثة في المنطق المشوب، وأما المنطق الذي هو خالص مثل هذا الكتاب والايساغوجي والس ... # ١.٠١.٣٦ والشمسية ونحوها مما كتب هذا كله لا بأس به، ولذلك ألف الشيخ الأمين رحمه الله تعالى «المقدمة المنطقية» وذكر هذا، هذه المسألة في المقدمة بأن صاحب السلم أخطأ في إدخال هذا الخلاف في هذا الكتاب، لأن هذا متفق على جوازه. (فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) قال: (فِي أنْوَاعِ العِلْمِ). العلم له أنواع، إذًا ما هو العلم؟ ولماذا قال: (الحَادِثِ)؟ وهل ثَمَّ ارتباط بين أنواع والحادث؟

1 / 19