مفهوم الأسماء والصفات
الناشر
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
تصانيف
مدخل
...
مفهوم الأسماء والصفات
الحلقة الأولى
فضيلة الشيخ/ سعد ندا المدرس بالجامعة الإسلامية
أسلفت القول في أنني أهتم أعظم الاهتمام بقضايا العقيدة الإسلامية. وهكذا ينبغي أن يكون شأن كل مسلم- ذلك بأن العقيدة هي الركيزة التي يقوم عليها ديننا الإسلام، فمن أفسدها، أو جحدها، أو كفر بها، بطل عمله مهما أكثر منه وحسبه صالحا، وحتى لو كان قد أقر قبل بالشهادتين، فإن إقراره يعتبر منقوضا بما ارتكب مما ينافي مقتضاهما مثله كمثل المتوضئ الذي يحدث ثم يصلي، فإن صلاته تكون - لنقضه وضوءه - بلا ريب باطلة شاء أم أبى. فكذلك مفسد العقيدة، أو الجاحد لها، أو الكافر بها- بمسلكه الشركي أو الكفري - أعماله باطلة شاء أم أبى ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام آية ٨٨)، ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ (المائدة: آية ٥) إن العقيدة بمثابة الروح للبدن، وهل تجد نبضة من حياة في بدن فاضت منه روحه؟.
إننا إذا جلنا جولات خاطفة متبصرة في المجتمعات الإسلامية، لألفيناها- إلا من رحم الله وحمى منها- أبدانًا وهياكل لا روح فيها، لا تقيم للعقيدة الصحيحة وزنا، ولا تتبين معاني التوحيد والشرك، والسنة والبدعة، والحق والباطل، إذ اضطربت في أذهان أفرادها معالم الشريعة، ففقدوا بذلك الفرقان الذي يميز الخبيث من الطيب، ومن ثم لم يعنوا بالتعرف على الله، والتجرد له، واستهانوا بمراقبته وتقواه، وهل يوجد الفرقان في قلب المؤمن إلا بتقوى الله؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ (الأنفال آية ٢٩) . وبهذا اختلت الموازين لدى من ينتسبون إلى الإسلام، فلم يميزوا بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم، ولا بين عدوهم وبين حبيبهم، ولا بين من يقدم لهم طعامًا وبين من يجعلهم له طعامًا، وبين من يمد إليهم يده مصافحا، وبين من يمدها إليهم طاعنًا، وأخذوا يسمعون لكل ناعق،.. ويجرون وراء كل داع، فعميت عليهم الأنباء، وأصبحوا في أمر مريج،.. وانتهى مطافهم إلى أن دب الخلاف فيما بينهم، وانكبوا على الدنيا وشهواتها يتنافسون..، فهزلت شخصياتهم..، وبهتت
45 / 75
ألوانهم، وخفتت أصوات الحق فيهم- إلا من رحم الله ووفق-، ونظر إليهم أعداؤهم- أعداء الله - فوجدوهم هكذا غثاء كغثاء السيل، رغم بلوغ عددهم ما يقارب ألفا من الملايين، فما خشوا بأسهم واستهانوا بهم، وأخذوا يخططون لضرب وحدتهم أولا، فلما فرقوهم سهل عليهم التهامهم أمة تلو أمة ثانيا، ثم أخذ أعداء الله الدنيا بقوة، وأصلحوا فيها أمرهم، فبلغوا من التقدم ما حطوا به على سطح القمر وغيره من الكواكب- وصار ميزان العالم كفتين: كفة يشغلها ملاحدة شيوعيون، تقابلها كفة أخرى يشغلها صهاينة جشعون، يعاونهم صليبيون حاقدون. وكل من القوتين الباغيتين لا تحب الإسلام ولا ترضى عن المسلمين طالما أنهم مسلمون، وقد قرر الله تعالى هذه الحقيقة في قوله: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾ (البقرة آية ١٢٠)، ثم بين سبحانه طريق الحق وحذر من اتباع أهواء هؤلاء المتخبطين فقال: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ (البقرة آية ١٢٠) - والملاحدة الشيوعيون أولى أن لا يرضوا عن المسلمين حتى ينسلخوا من دينهم ويتبعوا إلحادهم - ولا ينبغي أن نغمض أعيننا عن واقع المسلمين، ونهيم في ملذات الحياة الدينا غافلين، إنما يجب علينا أن نرفع غشاوة أعيننا، ونشحدآذاننا، ونفتح مغاليق قلوبنا، ثم نتدبر ونفكر كيف نسير لصد هذا الموج الإجرامي العنيف. لنلق نظرةَ على إخواننا المسلمين في الفلبين، وبورما، وتايلاند، وأفغانستان، وفلسطين المحتلة، وإريتريا، والصومال- لنرى ما يمارسه العتاة المجرمون أعداء الله مع المسلمين في تلك الأمم من حرب الإبادة ابتغاء طمس معالم الإسلام فيها، ومحاولة تحويلها- لا قدر الله- إلى بلاد كفر وإلحاد.
ونشحذ آذاننا، ونفتح مغاليق قلوبنا، ثم نتدبر، ونفكر كيف نسير لصد هذا الموج الإجرامي العنيف. لنلق نظرة على إخواننا المسلمين الفلبين، وبورما، وتايلاند، وأفغانستان، وفلسطين، وأريتريا والصومال - لنرى ما يمارسه العتاة المجرمون أعداء الله مع المسلمين في تلك الأمم من حرب الإبادة ابتغاء طمس معالم الإسلام فيها، ومحاولة تحويلها - لا قدر الله - إلى بلاد كفر وغلحاد.
ألا تتقطع نياط القلوب المؤمنة حين تترامى تلك الأنباء المفجعة بمحاولات وغدر أولئك الباغين الذين قتلوا وشردوا إخوتنا في الله بغير ذنب إلا أن يقولوا ربنا الله؟.
ألا تتمزق الصدور التي شرحها الله بالإسلام حين تحمل إذاعات العالم بيان ضاري المعارك التي يستميت فيها أبناء الإسلام المستضعفين في محاولة لحماية حماه؟ إن الدول الإسلامية مهما اختلفت مواقعها واتجاهاتها الخاصة إنما هي بحكم الله أمة واحدة فلماذا ندعها تتمزق وتتقطع أواصرها؟
أليس الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء آية ٩٢) . فأين تطبيق هذا بين المسلمين؟، وأين تطبيق قول رسول الله ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" (البخاري)؟ وأين تطبيق قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ؟ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (الصف آية ١١) وأين الجهاد في سبيل الله لإنقاذ المسلمين الذين أحيط بهم؟ وسامهم المجرمون الغادرون ألوان العذاب؟ لا بالنفس نرى جهادا ولا بالمال- إلا من رحم الله- نجد بذلا؟ فلماذا؟ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ؟ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ. إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (التوبة آية ٢٨، ٢٩) ﴿يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا؟ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ؟ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي؟﴾ (طه: آية ٨٦) . هل هذا التخاذل عن الجهاد بالنفس خشية القتل؟
45 / 76
أليس الله تعالى يقول؟ ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ؟ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ (التوبة آية ٥١، ٥٢) . فنتيجة الجهاد بالنفس: إما نصر يحمل الخير ويرفع كلمة الله، وإما استشهاد لا موت معه بل حياة به عند الله - وهل هذا التخاذل من الأكثرين عن الجهاد بالمال خشية نفاذه؟ أليس الله تعالى قد ضمن الرزق لكل من خلق. وأنت ممن خلق- فطمأنك وأكد لك وقال لك: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ (الذاريات آية ٢٢، ٢٣) - ثم زاد اطمئنانك فبين أن ما لديه غير قابل للنفاذ إطلاقا فقال سبحانه: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ﴾ - (ص آية ٥٤) .
أين عدة المسلمين الموحدة التي أمرهم الله تعالى بإعدادها لدحر أعداء الإسلام بأي اسم كانوا وعلى أي أرض وجدوا؟ أين تنفيذ أمره تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم﴾ (الأنفال آية ٦٠) .
لم هذا التباطؤ والانكباب على هذه الحياة المترفة التي حولت أغلب لبنات الأمم الإسلامية - إلا من رحم الله - إلى لبنات هشة ناعمة لا تقوى على مجابهات أعداء الله وصد شراستهم في تحركات غادرة بغية محو كيان المجتمع الإسلامي من خارطة العالم، وإذا في مجتمعاتهم الصارخة بالإلحاد والكفر- إن كل مؤمن يملأ قلبه أمل عريض، وضراعة إلى الله صادقة، أن يجمع شتات الأمم الإسلامية ويوحد فرقتها، ويبدد الخلافات بينها، ويجعلها أمة واحدة، معبودها رب واحد، وقدوتها إمام واحد، ونهجها كتاب واحد، ووجهتها قبلة واحدة، وغايتها- بإعلاء كلمة الله- واحدة.
إنه مما لا شك فيه أن اجتماع الأمم الإسلامية- وخاصة إذا دعمها الإيمان - يرهب أعداء الله، ويملأ قلوبهم رعبا وفزعا؛ ثم إن يد الله دائما على الجماعة المؤمنة، وهذا يستتبع نصره لها ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ (غافر آية ٥١) لما ينصرف أكثر المسلمين عن هدى الله ويصبحون إمَعات؟ إن أحسن الناس أحسنوا تقليدا غير بصير على نهجهم؟ وإن أساءوا أساءوا تقليدا غير بصير كذلك على دربهم؟
إنني أتصور أن الذي صرف أكثر هؤلاء المسلمين عن الله إنما هو جهلهم بالله، ومن جهل الله جهل ما قال، وكما يقال: "من جهل شيئا عاداه". ومن ثم لما جهلوا الله عادوه، ولجئوا إلى غيره فأشركوا فحبطت أعمالهم، ولما جهلوا قول الله تعالى عادوه كَذلكَ، ولجئوا إلى قول غيره، فضلوا وتخبطوا، واستشرى فسادهم، وعم شقاؤهم. وصدق الله جل وعلا حين قال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا﴾ (طه آية ١٢٤) .
فلابد إذن للمسلم أن يتعرف على الله تعالى حتى يعبد إلها يعرفه، فتسلم له عباداته- وقد ذكر بعض العلماء فوائد معرفة صفات الله وأسمائه، وأفعاله وتقديسه عن النقائص، ونجمل هذه الفوائد - لعظيم أهميتها- فيما يلي:
١- أن معرفة الله تعالى هي من أشرف العلوم وأجلها على
45 / 77
الإطلاق، إذ الاشتغال بفهمها والبحث التام عنها هو اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد هو من أشرف المواهب.
٢- أن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته، وخشيته، وخوفه، ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا هو عين سعادة العبد. ولا يمكن معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته وفهم معانيها؛ وقد اشتمل القرآن الكريم من تفصيلها، وبيان تعرف الله بها إلى عباده، وتعريفهم لنفسه كي يعرفوه ما لم يشتمل عليه غيره من بيان.
٣- أن معرفة الله تعالى هي أحد أركان الإيمان، بل أفضلها وأصلها، وليس الإيمان مجرد قوله: "آمنت بالله" من غير معرفته بربه، بل إن حقيقة الإيمان أن يعرف الرب الذي يؤمن به، بل ويجب عليه أن يبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب معرفة العبد بربه تكون درجة إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه، وكلما نقصت معرفته نقص إيمانه، وأقرب طريق يوصل إلى معرفة الله تعالى تدبر أسمائه وصفاته من نصوص القرآن والسنة، فإذا مر به اسم من أسماء الله تعالى أثبت له معناه، وما يتضمنه من صفات كمال مطلقة، ومع ذلك ينزهه سبحانه عما يضاد كماله.
٤- أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، فيقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات آية ٣٦)، ولا يمكن أن يعبدوه دون أن يعرفوه، فلا بد من معرفتهم له سبحانه ليحققوا الغاية المطلوبة منهم والحكمة من خلقهم، والاشتغال بمعرفته سبحانه هو اشتغال العبد بما خلق له، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له، وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيم متوال من كل وجه، أن يكون جاهلا بربه، معرضا عن معرفته.
٥- أن معرفة الله تعالى هي أصل الأشياء كلها، حتى أن العارف به سبحانه حق المعرفة يستدل بما عرف من صفاته، وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، لأنه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة، وكذلك لا يشرع ما يشرعه من أحكام إلا حسب ما يقتضيه حمده وحكمته، وفضله وعدله. فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه كلها عدل وحكمة١.
مما سلف يتبين أن معرفة الله تعالى لها من الأهمية العظمى للعبد ما لا يتصور استغناؤه عنه، لأنها الركيزة التي يقوم عليها حكمة إيجاده وهي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له.
لهذا بدأت في محاولة لتنبيه من غفل من المسلمين إلى أهمية العقيدة الإسلامية- أساس هذا الدين- ليجعلوا منطلق أعمالهم منها، حتى تصح لهم بالبناء عليها جميع الأعمال، وعلى الله بعد ذلك في قبولها تنعقد الآمال.
ولقد تبلْور في فهمي ما أردت بيانه في بابين:
_________
١ تيسير الكريم الرحمن الجزء الأول ص ١٠،١١ بتصرف
45 / 78
الباب الأول: باب (التعرف على الله تعالى)
مدخل
...
الباب الأول: باب (التعرف على الله تعالى):
وهذا الباب يشمل بدوره قضيتين:
إحداهما: (مفهوم الربوبية) وقد أسلفت بيانها تحت عنوان: (مفهوم الربوبية) في أربع حلقات مضَيْنَ.
وثانيهما: (مفهوم الأسماء والصفات) وهي موضوع حلقاتي التي تبدأ بحلقتنا هذه، وأسأل الله أن يريني الحق حقا ويرزقني اتباعه، وحسن بيانه للناس.
وهذا الباب يشمل بدوره قضيتين كذلك:
إحداهما: (مفهوم الإلهية) .
وثانيتهما: (مفهوم التشريع) وذلك انطلاقا من قوله جل وعلا: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف آية ٤٠) حقا إن أكثر الناس لا يعلمون أن الحكم لله وحده، وأن العبادة كذلك لله وحده سبحانه.
وإلى هذا المقام، أجدني قد اقتربت من مدخل الموضوع الذي أريد أن أعالجه، وهو القضية الثانية من باب (التعرف على الله تعالى) وهي:- مفهوم الأسماء والصفات
مفهوم الأسماء والصفات أسماء الله الحسنى ... (مفهوم الأسماء والصفات) نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين: المبحث الأول: أسماء الله تعالى. المبحث الثاني: صفات الله تعالى. أولا أسماء الله تعالى (الأسماء الحسنى) معنى الأسماءِ: أسماء جمع اسم، والاسم: معناه لغة هو ما يعرف به الشيء ويستدل عليه. وعند النحاة: هو ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمن. والاسم الأعظم: هو الاسم الجامع لمعاني صفات الله ﷿. واسم الجلالة: أو لفظ الجلالة: هو الله، وهو اسمه ﷾. واصطلاحاَ: إذا قيل: أسماء الله تعالى، أو أسماء الله تعالى وصفاته، أو الأسماء والصفات، كان معنى الأسماء أسماء الله تعالى الحسنى التي تسمى بها سبحانه، واستأثر بها لنفسه جل وعلا.
مفهوم الأسماء والصفات أسماء الله الحسنى ... (مفهوم الأسماء والصفات) نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين: المبحث الأول: أسماء الله تعالى. المبحث الثاني: صفات الله تعالى. أولا أسماء الله تعالى (الأسماء الحسنى) معنى الأسماءِ: أسماء جمع اسم، والاسم: معناه لغة هو ما يعرف به الشيء ويستدل عليه. وعند النحاة: هو ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمن. والاسم الأعظم: هو الاسم الجامع لمعاني صفات الله ﷿. واسم الجلالة: أو لفظ الجلالة: هو الله، وهو اسمه ﷾. واصطلاحاَ: إذا قيل: أسماء الله تعالى، أو أسماء الله تعالى وصفاته، أو الأسماء والصفات، كان معنى الأسماء أسماء الله تعالى الحسنى التي تسمى بها سبحانه، واستأثر بها لنفسه جل وعلا.
45 / 79
لم سميت أسماء الله تعالى بالأسماء الحسنى؟
وردت تسمية الأسماء الحسنى في قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (الأعراف آية ١٨٠) وفي قوله: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (طه آية ٨) . وسميت الأسماء الحسنى، لأنها حسن في الأسماع والقلوب، وتدل على توحيده، وكرمه وجوده، ورحمته، وأفضاله ١ كما أنها تدل على أحسن مسمى، وأشرف مدلول.
وكل اسم يدل على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت أسماء الله تعالى جميعا حسنى، فهي ليست أعلامًا محضة، إذ لو كانت كذلك ولم تتضمن صفات الكمال لم تكن حسنى، وكذلك لو دلت على صافات ليست بصفات كمال: كصفات نقص، أو صفات منقسمة إلى المدح.. والقدح لم تكن حسنى ٢.
فكل اسم من أسمائه تعالى دال على جميع الصفة التي اشتق منها لجميع معناها، وذلك نحو اسم الدال (العليم) الدال على أن له علما محيطًا عاما لجميع الأشياء، فلا يخرج عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
واسم (الرحيم) الدال عَلى أن له رحمة عظمية واسعة لكل شيء.
واسم (القدير) الدال على أن له قدرة عامة لا يعجزها شيء - ونحو ذلك.
ومن تمام كونها حسنى أنه لا يدعى إلا بها، ولذلك قال تعالى: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (الأعراف آية ١٨٠) ٣..
ما سبب نزول آية ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾؟
قال مقاتل وغيره من المفسرين: "نزلت هذه الآية في رجل من المسلمين كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم، فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين فأنزل الله تعالى الآية"٤.
هل حصرت الأسماء الحسنى بعدد معين؟
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال وسول الله ﷺ: " إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" أخرجاه في الصحيحين، والبخاري، وأخرجه الترمذي عن شعيب فذكره بسنده مثله، وزاد بعد قوله: "يحب الوتر": "هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف،
_________
١ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جزء ٧ ص ٣٢٥
٢ الاسم الذي يدل على صفة تنقسم إلى مدح وقدح (أي ذم) مثل الماكر والخادع والكايد لهذا لم يسم الله تعالى نفسه بمثل هذه الأسماء ولم يجعلها وأمثالها من أسمائه الحسنى ﷾.
٣ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي جزء ٣ ص ٥٩،٦٠.
٤ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جزء ٧ ص ٣٢٥.
45 / 80
الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور" ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وقد روي من غير وجه أبي هريرة، ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث"، ورواه ابن حبان في صحيحه من طريق صفوان به١.
ومعنى إحصاء الأسماء الحسنى المشار إليه في الحديث عند قوله صلى الله عليه سلم: "من أحصاها دخل الجنة"؛ هو: عدها، وحفظها، وفهم معانيها، ودعاء الله بها دعاء عبادة ودعاء مسألة.
والأسماء الحسنى ليست محصورة بعدد معين، ودليل ذلك: ما رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود ﵁ عن رسول الله ﷺ أنه قال: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتكَ، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلْقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعلَ القران العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمًه، وأبدل مكانه فرجا" فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: "بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها". فقوله ﷺ: "أو استأثرت به في علم الغيب عندك" دليل على أن الله تعالى سمى نفسه بأسماء لم ينزلها في كتابه، ولم يعلمها أحدا من خلقه، وإنما استأثر بها في علم الغيب عنده سبحانه، ومن ثم كان هذا دليلا على أن أسماء الله جل وعلا لم تحصر بعدد معين.
هل يجب الاقتصار على أسماء الله تعالى الواردة؟
لا شك أن أسماء الله تعالى توقيفية، بمعنى أنه ينبغي علينا أن نقف في تسمية الله تعالى
على ما ورد في الكتاب والسنة، لأننا لا نستطيع البتة أن نعرف الأسماء التي سمى الله بها نفسه بآرائنا، وباجتهاد من عند أنفسنا، لأن أسماءه ﵎ من الغيب الذي لا مجال لنا في بلوغه إلا أن يصلنا عن طريق الوحي الذي نزل على رسول الله ﷺ.
بأي الأسماء ندعو الله تعالى؟
ذكرت آنفا أن الله تعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (الأعراف آية ١٨٠) ويقول: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ (طه آية ٨) .
_________
١ تيسير العلي القدير المجلد الثاني ص ١٥١، ١٥٢.
(وأقول في استطرادة مفيد إن شاء الله، بهذه المناسبة ألفت أخوتي المسلمين إلى قول الرسول ﷺ الرؤوف الرحيم بأمته حين سئل عن تعلم هذه التضرعات في دعاء إذهاب الحزن والهم: "بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها " فما أكثر ما يصيب الإنسان في حياته بين حين وآخر من الهم والحزن ما يملك عليه نفسه ويتمنى عجلا أن يزال ويبدل فرجا. فما أحوجنا جميعا إلى تعلم هذا الدعاء العظيم ودعاء الله تعالى به في ضراعة وإخلاص ليفرج الله عنا ما يلم بنا من أحزان وهموم) ..
45 / 81
فلما تسمى الله جل شأنه بأسماء كلها حسنى، أمرنا جل وعلا أن ندعوه بها لأنه هو وحده سبحانه الذي يعلم ما يستحق أن يسمى به من الأسماء التي تليق بجلاله وعظمته، وبما ينبغي أن يدعى به سبحانه.
ولدقة هذا الأمر ذكر كثير من أهل العلم أن الداعي ينبغي عليه أن يدعو الله بالاسم الذي يناسب مسألته: فيقول مثلا: يا رحمن ارحمني، يا غفار اغفر لي، يا تواب تب علي، يا رزاق ارزقني، يا حفيظ احفظني، يا كريم أكرمني- وهكذا - ولا يصح أن يدعو باسم لا يناسب مسألته كأن يقول يا غفار ارزقني، أو يا رزاق اغفر لي، أو يا حفيظ تب علي، وهكذا.
بل ذكر البعض أنه لا ينبغي أن ندعو الله سبحانه بالأسماء التي تبدو في ظاهرها أنها تحمل معنى الإضرار فقط بالعبد مثل: المانع، والضار، والمذل، والقابض، والخافض، والمميت. وذلك حتى لا يتصور متصور- بإفراد هذه الأسماء - أن أسماء الله تعالى من شأنها: أنها تحمل الضرر فحسب. ومن ثم ينبغي إذا ذكرت هذه الأسماء أن تذكر مع الأسماء المقابلة لها، مثل أن يقال: المعطى المانع، النافع الضار، المعز المذل، الباسط القابض، الرافع الخافض، المحيي المميت- وهكذا. ويسمي العلماء هذه الأسماء (بالأسماء المزدوجة) . لأنه يذكر مع كل أسم منها ما يقابله في معناه مما يجعلهما زوجا.
الأسماء الحسنى تتضمن صفات الكمال العليا لله تعالى:
إن كل اسم من أسماء الله تعالى يتضمن صفة تناسبه بما يليق بجلال الله سبحانه وعظيم
شأنه. مثال ذلك: اسم (الرحمن) يتضمن ثبوت صفة الرحمة الذاتية لله سبحانه، واسم (الرحيم) يتضمن ثبوت صفة الرحمة الفعلية لله سبحانه، واسم (السميع) يتضمن ثبوت صفة السمع لله سبحانه، واسم (البصير) يتضمن ثبوت صفة البصر لله سبحانه، واسم (الرزاق) يتضمن ثبوت صفة الرزق لله سبحانه. وهكذا نجد أن كل الأسماء الحسنى تتضمن صفات الكمال العليا لله جل وعلا.
ليست كل صفة من صفات الله تعالى تشتق منها أسماء له سبحانه:
من الأمور الخطيرة التي يجب أن ننتبه إليها أنه: ليست كل صفة لله تعالى يمكن أن نشتق منها اسما له سبحانه، ذلك لأن أسماء الله تعالى - كما سبق أن أسلفت - توقيفية يجب أن نقف عند ما ورد بها النص في الكتاب والسنة، ولا نزيد عليها باجتهاداتنا، لأن ذلك أمرَ من الغيب الذي لا مدخل لنا إليه.
وبيان ذلك أن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُم﴾ (النساء آية ١٤٢) ويقول: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (آل عمران آية ٥٤) .
ويقول: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال أية ٢٠) .
ويقول: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرا﴾ (يونس آية ٢١) .
ويقول: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ (النمل آية.٣) .
ويقول: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف﴾ (يوسف آية ٧٦) ويقول: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ (الطارق آية ك ١٥، ١٦) .
45 / 82
ويقول: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ. اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (البقرة آية ١٤، ١٥) .
ويقول: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ (محمد آية ٢٢، ٢٤) .
ويقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ﴾ (البقرة آية ١٥٩) . ويقول: ﴿وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِيلًا﴾ (النساء آية ٤٦)، ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ (النساء آية ٤٧)، ويقول: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ (النساء آية ٥٢) .
ويقول: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ (المجادلة آية ١٤) .
ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم﴾ (الممتحنة آية ١٣) .
ويقول: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا﴾ (النساء آية ٣٠) .
ويقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا﴾ (النساء آية ٥٦) .
ويقول: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاء﴾ (الأنعام آية ١٣٣) .
ويقول: ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ (هود آية ٥٧) .
ويقول: ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا﴾ (الأعراف آية ٦٤) . ويقول: ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ﴾ (الشعراء آية ٦٦ والصافات آية ٨٢) .
ويقول: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (التوبة آية ٧٩) .
ويقول: ﴿لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ (المائدة آية ٨٠) .
ويقول: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا﴾ (الأعراف آية ٥١) .
ويقول: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (التوبة آية ٦٧) .
ويقول: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُم﴾ (السجدة آية ١٤) .
ويقول: ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ (الجاثية آية ٣٤) .
ويقول: ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ (الأعراف آية ١٣٧) .
ويقول: ﴿فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء آية ١٦) .
ويقول: ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ﴾ (الشعراء آية١٧٢)، ويقول: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (النمل آية ٥١)، ويقول: ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ (محمد آية ١٠) .
ويقول رسول الله ﷺ: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ " (متفق عليه) .
ويقول: " لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنزل عنها فنام- وراحلته عند رأسه، فاستيقظ وقد ذهبت، فذهب في طلبها فلم يقدر عليها حتى أدركه الموت من العطش، فقال: والله لأرجعن فلأموتن حيث كان
45 / 83
رحلي، فرجع فنام، فاستيقظ. فإذا راحلته عند رأسه فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (رواه البخاري) .
ويقول: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة" (متفق عليه) . في الآيات والأحاديث التي أوردتها، نجد أفعالا لربنا ﷾ وهي: على حسب ترتيب الأحاديث كما يلي:
أفعال: الخداع، المكر، الكيد، الاستهزاء، الإصمام، والإعماء، اللعن، الغضب، الإصلاء، الاستخلاف، الإغراق، السخرية، السخط، النسيان، التدمير، النزول، الفرح، الضحك. فهل يمكن أن نشتق من هذه الأفعال- وأمثالها- أسماء لله تعالى فنسميه جل وعلا بالأسماء الآتية؟: الخادع أو المخادع، الماكر، الكايد، المستهزئ، المصم، المعمي، اللاعن، الغاضب، المُصْلي، المستخلف، المُغرق، الساخر، الساخط، الناسي، المدمر، النازل الفرح، الضاحك؟ لا ينبغي أن نسمي الله بهذه الأسماء، ونقرنها بالأسماء الحسنى كالرحمن، والرحيم، والغفور، والودود، واللطيف، والعلي، والكبير، والسميع، والبصير، ونحو ذلك مما سمى الله تعالى به نفسه من أسمى وأجل وأعظم الأسماء.
والسبب في أنه لا ينبغي ولا يشرع لنا أن نسمي الله سبحانه بمثل تلك الأسماء كالخادع وما ماثل ذلك أمران:
الأمر الأول: أنه لم يرد بها النص في الكتاب أو السنة.
الأمر الثاني: أن من هذه الأسماء (كالخادع أو المخادع، والماكر، والكايد، والمستهزئ، والغاضب، والناسي، والمدمر وما ماثلها) ليست ممدوحة على إطلاقها، بل تمدح في مواضع، وتذم في مواضع أخرى١، ومن ثم لا يجوز أن تطلق أفعالها على الله مطلقا، فلا ينبغي أن يقال بإطلاق: إن الله تعالى يخادع أو يستهزئ، أو يغضب؛ أو ينسى، أو يدبر، كما لا ينبغي أن يشتق منها أسماء يسمى بها سبحانه، وذلك لأن الله جل وعلا لم يصف نفسه بالخداع، والمكر، والكيد، والاستهزاء، والغضب، النسيان، والتدمير، وما ماثل ذلك، إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، أو استحق أن يجازى به بحق على فعله- والجزاء إنما يكون من جنس العمل، فمن خدع يستحق أن يخدع، ومن مكر يستحق أن يمكر به، ومن نسي الله يستحق أن ينساه الله، ومن فسق استحق أن يدمر، وهكذا لا يجازى الله جل وعلا إلا من يستحق المجازاة بالحق والعدل.
إن المخادع حين يخادع بباطل وظلم، أو الماكر حين يمكر بباطل وظلم، أو الكايد حين يكيد بباطل وظلم، أو المستهزئ حين يستهزئ بباطل وظلم، والناسي حين ينسى بباطل وظلم، والفاسق حين يرتكب فسقه بباطل وظلم، يكون أكمل الحكمة من الله تعالى حين يخادعه، أو يمكر به، أو يكيده، أو يستهزئ به، أو ينساه، أو يدمره بالحق والعدل. ومن ثم فلا يشرع أن يوصف الله تعالى بتلك الأفعال المذكورة ولا أن يسمى بأسماء تشتق منها على وجه الإطلاق، لأن الله
_________
١ مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم الجزء الثاني ص ٣٢ وما بعدها
45 / 84
تعالى لم يصف بمثل أفعال الخداع، والمكر، والكيد، والاستهزاء، والنسيان، والتدمير، وما ماثل ذلك مطلقًا، ولا أدخل ذلك في أسمائه الحسنى. "ومن ظن من الجهال المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه الماكر، المخادع، المستهزئ، الكائد، فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه. وغر هذا الجاهل أنه ﷾ أطلق على نفسه هذه الأفعال، فاشتق له منها أسماء، وأسماؤه كلها حسنى، فأدخلها في الأسماء الحسنى، وأدخلها وقرنها بالرحيم، الودود، الحكيم، الكريم - وهذا جهل عظيم- فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقا، بل تمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقا، فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع يستهزئ ويكيد، فكذلك بطريق الأولى لا يشتق له منها أسماء يسمى بها، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد، ولا المتكلم، ولا الفاعل، ولا الصانع، لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم، والحكيم، والعزيز، والفعال لما يريد، فكيف يكون منها الماكر، المخادع، المستهزئ؟ ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى: الداعي، وآلاتي، والجائي، والذاهب، والقادم، والرائد، والناسي، والقاسم، والساخط، والغضبان، واللاعن، إلى أضعاف أضعاف ذلك من الأسماء التي أطلقت على نفسه أفعالها في القرآن - وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل. والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد، والمكر، والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه؟ " ١ وإني لأستحسن أن أسوق هنا المثل الذي ذكره الإمام ابن القيم في بيان كيف كاد الله تعالى ليوسف ﵇ مجازاة لإخوته على ما فعلوه، وذلك في عباراته الآتية:- "إن جزاء المسيء بمثل إساءته جائز في جميع الملل، مستحسن في جميع العقول، لهذا كاد سبحانه ليوسف ﵇ حين أظهر لإخوته ما أبطن خلافه جزاء لهم على كيدهم له مع أبيه، حيث أظهروا له أمرا وأبطنوا خلافه، فكان هذا من أعدل الكيد الذي قال فيه تعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (يوسف آية ٧٦) فإن إخوته فعلوا به مثل ذلك حتى فرقوا بينه وببن أبيه وادعوا أن الذئب أكله، ففرق بينهم وبين أخيهم بإظهار أنه سرق الصواع، ولم يكن ظالما لهم بذلك الكيد حيث كان مقابلة ومجازاة، ولم يكن أيضا ظالما لأخيه الذي لم يكده ... بل كان إحسانا إليه وإكراما له في الباطن، وإن كان طريقة ذلك مستهجنة، لكن لما ظهر بالآخرة براءته ونزاهته مما قذفه به، وكان ذلك سببا إلى اتصاله بيوسف واختصاصه به، لم يكن في ذلك ضرر عليه، يبقى أن يقال: وقد تضمن هذا الكيد إيذاء أبيه وتعريضه لألم الحزن على حزنه السابق، فأي مصلحة كانت ليعقوب ﵇ في ذلك؟ فيقال: هذا من امتحان الله تعالى له، ويوسف إنما فعل ذلك بالوحي، والله تعالى لما أراد كرامته، كمل له مرتبة المحنة والبلوى ليصبر فينال الدرجة التي لا يصل إليها إلا على حسب الابتلاء، ولو لم يكن في ذلك إلا تكميل فرحه وسروره باجتماع شمله بحبيبه بعد الفراق، وهذا من كمال إحسان الرب تعالى، أن يذيق عبده مرارة الكسر قبل حلاوة
_________
١ مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة الجزء الثاني ص ٣٤
45 / 85
الجبر، ويعرفه قدر نعمته عليه بأن يبتليه بضدها"١ ثم قال: "فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق، كما لا تمدح على الإطلاق، والمكر والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم، ولا من جهة القدرة، فإن العلم والقدرة من صفات الكمال، وإنما يذم من جهة سوء القصد، وفساد الإرادة، وهو أن الماكر المخادع يجور، ويظلم بفعل ما ليس له فعله، أو ترك ما يجب عليه فعله"٢.
وقال في موضع آخر: "والصواب أن معانيها- (أي معاني هذه الألفاظ) تنقسم إلى محمود، ومذموم، فالمذموم، منها: يرجع إلى الظلم والكذب، فما يذم منها إنما يذم لكونه متضمنا للكذب، أو الظلم، أوْ لَهماَ جميعًا. وهذا هو الذي ذمه الله تعالى كما في قوله سبحانه: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم﴾ (البقرة آية ٩)، فإنه ذكر هذا عقيب قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة آية ٨) . فكان هذا القول منهم كذبا وظلما في حق التوحيد والإيمان بالرسول واتباعه، وكذلك قوله: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْض﴾ (النمل آية ٤٥)، وقوله: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ (فاطر آية ٤٣)، وقوله: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾ (النمل آية ٥٠، ٥١) .
ثم قال على هذه الألفاظ: "أنها منقسمة إلى محمود ومذموم، فما كان منها متضمنا للكذب والظلم فهو مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح فهو حسن محمود"٣.
_________
١ المرجع السابق ص ٣٢،٣٣
٢ المرجع السابق ص ٣٣
٣ المرجع السابق ص ٣٢،٣١
٤ تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق الزجاج ص ١٠ وما بعدها بتصرف
٥ التيسير السابق ذكره المجلد الأول ص ١٢
بيان الأسماء الحسنى التي وردت النصوص بها في الكتاب والسنة ما ورد في القرآن الكريم (سورة الفاتحة) ... بيان الأسماء الحسنى التي وردت النصوص بها في الكتاب والسنة: أولا: ما ورد في القرآن الكريم بحسب ترتيب السور٤: سورة الفاتحة: وردت فيها الأسماء الآتية: الله- الرب- الرحمن- الرحيم- المالك. الله: هو اسم الجلالة. وهو علم على الرب أي اسم للرب ﵎ ويقال إنه الاسم الأعظم، لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَّسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (الحشر آية ٢٢، ٢٣، ٢٤) ٥. _________ ٥ التيسير السابق ذكره المجلد الأول ص ١٢
بيان الأسماء الحسنى التي وردت النصوص بها في الكتاب والسنة ما ورد في القرآن الكريم (سورة الفاتحة) ... بيان الأسماء الحسنى التي وردت النصوص بها في الكتاب والسنة: أولا: ما ورد في القرآن الكريم بحسب ترتيب السور٤: سورة الفاتحة: وردت فيها الأسماء الآتية: الله- الرب- الرحمن- الرحيم- المالك. الله: هو اسم الجلالة. وهو علم على الرب أي اسم للرب ﵎ ويقال إنه الاسم الأعظم، لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَّسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (الحشر آية ٢٢، ٢٣، ٢٤) ٥. _________ ٥ التيسير السابق ذكره المجلد الأول ص ١٢
45 / 86
وقد ورد ذكر اسم (الله) في القران الكريم في مواضع متفرقة ثمانين وتسعمائة مرة ١.
وهذا التكرار العديد لهذا الاسم يدل على مدى عظمته وأهميته.
واختلف في: هل هو مشتق؟ أو غير مشتق؟ (أي جامد)؟: فقال البعض: إنه جامد لم يشتق من غيره، ذلك لأن اسمه تعالى أزلي، والأزلي في سبقه لم يؤخذ من غيره، ومن ثم فهو اسم علم محْض كسائر الأعلام المحْضة التي لا تتضمن صفات تقوم بمسمياتها.
وقال البعض: إنه مشتق: واختلفوا في اشتقاقه: فقال فريق: إنه مشتق من أله الذي مضارعها: يأله، ومصدرها: الآلهة، وألوهةَ، وألوهيةَ ومعنى أَله: عبد. وهذا الرأي هو الراجح. وقال فريق آخر: إنه مشتق من أَله الذي مضارعها: يأله، ومصدرها: أَلَهًا. ومعنى أله: تحير. وهذا الرأي مرجوح.
وقال القرطبي في تفسيره الجزء الأول ص ١٠٢: "روى سيبويه عن الخليل أن أصله (ألاَه) مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة. قال سيبويه: مثل الناس أصله: أناس. وقيل أصل الكلمة (لاه) وعليه دخلت الألف واللام للتعظيم، وهذا اختيار سيبويه".
وقال الشوكاني في تفسيره الجزء الأول ص ١٨: "أصل اسم (الله) إله: حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف فلزمت".
ومعنى اسم الجلالة (الله):
أنه المعبود وحده، الذي لا يستحق العبادة بجميع أنواعها سواه، ولهذا كانت الحكمة في خلقه للثقلين أن يحققوا هذه العبادة مجردة له وحده سبحانه، وهذا ما أشار إليه في قوله جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات آية ٥٦) .
هل يشرع ذكر الله باسم الجلالة (الله) مفردا؟
وأجد من المناسب وأنا أتكلم عن اسم الجلالة، أن أشير إلى ما يلجأ إليه بعض الجاهلين من المسلمين من ذكر الله باسم الجلالة مفردا- ذلك أننا نرى البعض منهم يجعل له وردا يردد فيه اسم الجلالة (الله) مرات عديدة كألف مرة، أو ألفين أو أكثر أو أقل؛ بل وقد تجتمع مجموعة من الناس يرددون اسم الجلالة (الله) رافعين أصواتهم، ويبدءون بقولهم: الله، الله الله، وهم جالسون مغمضي أعينهم، أو هم واقفون يتمايلون ذات اليمين وذات اليسار، ويقفزون بين الحين والآخر إلى أعلى، يتوسطهم قائد، يصفق بيديه، وبجواره أحيانا امرأة تتمايل كذلك تنشدهم أناشيد كفرية ماجنة، تدق على طبل بيدها، يلاصقها خليع يتمايل وهو يؤدى نغمات مزمار هي صفير يتسق مع الطبل والتصفيق، حتى يصير جو هذا الجمع كأنه ماخور حفته الشياطين من كل جانب، يتصاعد منه لهيب الإثم كأنما فتح على أبواب جهنم والعياذ بالله، ثم يدعى أولئك المخبولون أنهم بهذا الراقص الداعر، وهذه الوقاحة المتَردّية التي لا يليق صدورها من عاقل، وهذه الأصوات المنكرة التي لا تميز منها سوى (أه، أه، أه) - (حع، حع، حع) أو (هو، هو، هو) أنهم يذكرون الله.
_________
١ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي.
45 / 87
فمن قال إن الله قد شرع أن يذكر باسمه مفردا؟
ومن قال إن من أسماء الله: أه..؟ أو حع..؟ أو هو..؟
ومن قال إن الاختلاط بين الرجال والنساء الأجنبيات- فضلا عن التصاقهم بهن في تمايلهم الفاجر- قد شرعه الله؟
ومن قال إن الذكر جماعة له سند من الشرع الحنيف؟
ومن قال إن الذكر بهذه الأصوات المنكرة المزعجة قد جاءت به النصوص؟
ومن ثم فإنني أوجز بيان الحق في هذا الموضع كما جاءت به الأدلة الصحيحة فيما يلي:
أولا: أنه لم يشرع أن يذكر الله باسمه مفردا: فما ذكر الرسول ﷺ قط ربه باسمه مفردا، إذ لم يرد نص واحد يدل على أنه ذكر باسم (الله) أو (حي) أو (هو) أو (لطيف) أو (قدوس)، بل إن كل ذكره ﷺ كان جملا تفيد معاني كاملة، ومما ثبت عنه قوله: "خير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" بل ويعلمنا ﷺ الذكر المشروع في مثل ما يأتي:
١- قوله: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمس، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء إلا رجل عمل أكثر منه " أخرجه البخاري ومسلم.
٢- وقوله: "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" أخرجه البخاري ومسلم.
٣- وقوله: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" أخرجه الصحيحان.
٤- وقوله: "لأن أقول سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس" أخرجه مسلم.
٥- وقوله "أحب الكلام إلى الله تعالى أربع، لا يضرك بأيهن بدأت، سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" أخرجه مسلم.
٦- وقوله: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه" أخرجه مسلم.
٧- وقوله: " سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بكَ من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فأغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها حين يمسي فمات من ليلته، دخل الجنة، ومن قالها حين يصبح فمات من يومه، دخل الجنة" أخرجه البخاري.
٨- وقوله: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم، ومساء كل ليلة، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث، لم يضره شيء" قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
٩- وقوله: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. فإن متَ من ليلتك مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول" متفق عليه.
45 / 88
١٠- وقوله: " دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له" أخرجه الترمذي.
هذه أمثلة الذكر المشروع الذي أمرنا به رسول الله ﷺ، وكله جمل مفيدة، وليس هناك حديث واحد صحيح يفيد الذكر بالاسم المفرد. وإن لم يقبل الضائعون هدي رسول الله ﷺ، فليأتوني بأثارة من علم تؤيد زعمهم إن كانوا صادقين.
ثانيا: أما أن يكون هناك أسماء لله تعالى هي (أه) أو (حع) أو (هو)، فذلك ما لا يعقل، فضلا عن أنه لم يرد بمثل هذا أي نص، ولا يقر إنسان في رأسه ذرة من عقل أن هذه أسماء لله تعالى، ذلك بأن أسماءه كلها حسنى، ليس منها اسم قبيح أو ناب في لفظه أو في معناه. والله تعالى يقول: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف آية ١٨٠)
ثالثا: وأما الاختلاط بين الرجال والنساء الأجنبيات، فذلك ما لم يشرعه ديننا الإسلام، فالرسول ﷺ يقول: "ما خلا رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" فضلا عن أن ما ينتج من الاختلاط المحرم من التصاق وتمايل وخلاعة ومجون، وطبل وزمر ورقص باسم ذكر الله، كلها من المنكرات الفاحشة التي حرمها الإسلام، واعتبرها وسائل مؤدية إلى الزنا، وهو قد سد كل ذريعة توصل إلى محرم، فقال تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ فعبر القرآن الكريم بقوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ ولم يقل: "ولا تزنوا". وذلك لأن التعبير الأول يحرم الاقتراب من كل ذريعة تؤدي إلى الزنا من: نظر، واختلاط، والتصاق، ومجالسة، وكل ما يفضي إلى الزنا، وجعل كل ذريعة تفضي إلى المحرم محرمة.
رابعا: وأما الذكر جماعة، فلم يرد نص إطلاقا على مشروعيته، ولذلك فإن الذكر بصورة جماعية إنما هو بدعة غير مشروعة، لم يفعلها رسول الله ﷺ، ولا صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وما لم يشرعه رسول الله ﷺ فلا يكون بعده مشروعا، لذلك وضع لنا الأساس في ذلك في قوله: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي قوله: " من أحدث في أمرنا ما هذا ما ليس منه فهو رد".
خامسا: وأما رفع الصوت بالذكر فلم ترد بها النصوص، بل إنها وردت بخلافه، فقد قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (الأعراف آية ٥٥)، وقال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي
45 / 89
نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (الأعراف آية ٢٠٥) .
ولما رفع بعض الصحابة أصواتهم بالذكر- ولا شك أنهم ما عرفوا سوى الذكر المشروع- وسمعهم الرسول ﷺ قال لهم: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا قريبا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" - متفق عليه- ومن ثم فإن ما تعارف عليه أولئك الجاهلون من الذكر المفرد والجماعي والجهري، إنما هو وحي الشيطان الذي أوقعهم به في شركه، بل وألقى هذا الرجيم في روع أوليائه أن الذكر بالألفاظ الأعجمية مثل: آهيا، شراهيا، أصباؤت آل شداى، آج أهوج، جلجلوت، إنما هو ذكر شرعي كذلك بزعم أن هذه الألفاظ هي أسماء الله تعالى باللغة العبرانية أو السوريانية١.
أليس في القران الكريم والسنة المشرفة وما ضماه من أسماء الله الحسنى وبيان الذكر المشروع بها غنية عما سواهما لأولئك الدجالين فيما يأفكون؟
ألا قتل الخراصون، الذين هم في غمرة ساهون، والذين يلحدون في أسماء الله تعالى، إنهم سيجزون ما كانوا يعملون.
احتجاج الجاهلين بقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ على الذكر المفرد:
وقد يحتج بعض الجاهلين بقول الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ في الآية رقم ٩١ من سورة الأنعام على مشروعية الذكر المفرد.
وردا على هذا الاحتجاج أحيل أولئك الجاهلين على هذه الآية ليقرأوها كاملة، حتى يعلموا أن المراد بهذا الأمر من الله لرسوله ﷺ ليس أمرا بالذكر (بالاسم المفرد) كما يزعمون، وإنما هو جواب لمن أنكر أن الله لم ينزل وحيا على بشر. ولا أتركهم يبحثون عن الآية المذكورة، فلعلهم لا يهتدون إلى مكانها في المصحف فأضعها أمام ناظرهم ومن كان منهم يحمل في رأسه عقلا، فإنه سوف يدرك الحق فيها إن كان منصفا. أما الآية فهي قوله جل وعلا: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ؟ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (الأنعام آية ٩١) .
ويبين لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن الآية يوجز معناها فيما يلي:
أن اليهود والمشركين نفوا الرسالة، وزعموا أن الله ما أنزل على بشر من شيء، أي من الرسالة، فمن قال هذا فما قدر الله حق قدره، ولا عظمه حق عظمته، إذ هذا قدح في حكمته، وزعم أنه يترك عباده هملا لا يأمرهم ولا ينهاهم، ونفي لأعظم منة امْتن الله بها على عباده وهي الرسالة التي لا طريق للعباد إلى نيل السعادة والكرامة والفلاح إلا بها، ولما بين الله حال هؤلاء المنكرين، أمر رسول الله ﷺ أن يقول لهم كلمتين: الأولى سؤال: وهي: ﴿قُلْ: مَنْ أَنْزَلَ
_________
١ صيحة الحق للشيخ أبي الوفاء محمد درويش الطبعة السادسة ص ٢٨٧،٢٨٦ بتصرف
45 / 90
الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدىً لِلنَّاسِ؟﴾ والثانية: جواب: وهي ﴿قُل اللَّهُ﴾ أي أن الله جلت حكمته هو الذي أنزل الكتاب على موسى ﵇: ثم أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يترك أولئك المكذبين يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ١.
فأين إذن هذا الذكر بالاسم المفرد؟ الذكر يزعمه أولئك الذين أغرقهم أئمة الضلال، وباعدوا بينهم وبين الحق كما تباعد المشرق عن المغرب، حتى صار هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟
الرب:
هو اسم من أسماء الله تعالى، التي تضمنتها نصوص القرآن الكريم. ولا يقال في غيره إلا بالإضافة. وقد قالوه في الجاهلية للملك. وقال في الكشاف: "الرب المالك. ومنه قول صفوان لأبى سفيان: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن".
وقال القرطبي في تفسيره: والرب السيد ومنه قوله تعالى: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّك﴾ وفي الحديث "أن تلد الأمة ربتها.." والرب: المصلح، والمدبر، والجابر، والقائم. قال: والرب المعبود- ومنه قول الشاعر:
أربَ يبول الثعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب٢
وقد ذكر ابن كثير: أن الرب: هو المالك المتصرف. ولا يقال (الرب) معرفا بالألف واللام إلا لله تعالى، ولا يجوز استعمال كلمة الرب لغير الله إلا بالإضافة فنقول: رب الدار، ورب السيف. وأما الرب. فلا يقال إلا لله عز وجل٣.
ومعنى كلمة الرب لغة: هو السيد المربي واصطلاحا: هو المالك، الخالق، البارئ، المصور، المعطي المانع، النافع الضار، الرافع الخافض، الباسط القابض، المحيي المميت، المدبر لأمر هذا الكون. (وهذا على ما فصلت القول فيه في حلقات (مفهوم الربوبية) بهذه المجلة في سنتها الحادية عشرة) ٤ فليرجع إليها من شاء.
والرب هو المربي لجميع العالمين، وهم من سوى الله: بخلقه لهم، وتسخير ما يصلح لحياتهم، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة فمنه تعالى. وتربيته سبحانه لخلقه نوعان: عامة وخاصة.
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكملهم، ويدفع عنهم
_________
١ تيسير الكريم الرحمن الجزء الثاني ص ٢٠١ تصرف.
٢ فتح القدير للشوكاني الجزء الأول ص ٢١.
٣ تيسير العلي القدير المذكور المجلد الأول ص ١٢.
٤ مجلة الجامعة الإسلامية السنة الحادية عشرة العدد الأول (حلقات مفهوم الربوبية لكاتبها: سعد ندا) .
45 / 91
الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه: وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة من كل شر، ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب١، فإن مطالبهم كلها تحت ربوبيتة الخاصة٢.
وقد ورد ذكر هذا الاسم بصيغ مختلفة في القرآن الكريم تسعمائة مرة على النحو التالي:
رب: ذكرت أربعا وثمانين مرة. ربا: ذكرت مرة واحدة. ربك: ذكرت أربعين ومائتي مرة. ربكم: ذكرت ثماني عشرة ومائة مرة. ربكما: ذكرت ثلاثا وثلاثين مرة. ربنا: ذكرت إحدى عشرة ومائة مرة. ربه: ذكرت ستا وسبعين مرة. ربها: ذكرت تسع مرات. ربهم: ذكرت خمسا وعشرين ومائة مرة. ربهما: ذكرت ثلاث مرات. ربي: ذكرت مائة مرة٣.
وتكرار هذا الاسم على هذا النحو المتعدد بصيغ مختلفة يدل على مدى عظمة وأهميته.
الرحمن:
هو اسم الله تعالى مشتق من الرحمة على وجه المبالغة، وهو على وزن فعلان، (وفعلان تفيد الامتلاء) . والرحمن أشد مبالغة من الرحيم. والرحمن مشتق بخلاف من قال وزعم أنه غير مشتق: ودليل ذلك ما أخرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف ﵁، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "قال تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم، شققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته". قال: "هذا نص في الاشتقاق، فلا معنى للمخالفة والشقاق"٤.
وهذا الاسم (الرحمن) يختص بالله ﷾، ولا يجوز إطلاقه على غيره. وقال بعض أهل التفسير: "الرحمن الذي رحم كافة خلقه، بأن خلقهم وأوسع عليهم في رزقهم"٥.
واسم الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، فهو دال على أن الرحمة صفة ذات له سبحانه٦.
_________
١ مجلة الجامعة المذكورة العدد الثاني.
٢ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي الجزء الأول ص ١٥،١٤
٣ المعجم المفهرس السابق ذكره.
٤ تيسير العلي القدير المذكور المجلد الأول ص ١٣.
٥ مرجع الزجاج السابق ذكره ص ٢٨،
٦ بدائع الفوائد لابن القيم الجزء الأول ص ٢٤.
45 / 92
وروى ابن جرير بسنده عن العزرمي يقول: " (الرحمن الرحيم) قال (الرحمن) لجميع الخلق، و(الرحيم) قال بالمؤمنين. قالوا: ولهذا قال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَن﴾ (الفرقان آية ٥٩)، وقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه آية ٥)، فذكر الاستواء باسمه (الرحمن) ليعم جميع خلقه برحمته. وقال: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب آية ٤٣) فخصهم باسمه (الرحيم) . قالوا: فدل على أن (الرحمن) أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين"١.
وقد ذكر البعض: أن (الرحمن) يرحم أهل الدنيا والآخرة، و(الرحيم) خاص بالمؤمنين يوم القيامة، إذ أن الله يرحم المؤمنين والكافرين في الدنيا على السواء وذلك من نواحي أمورهم المعيشية، وأسباب حياتهم، وما يكفل لهم حياتهم الدنيا، فرحمته هنا (أي رحمة الرحمن) عامة، وإذا لم تكن الرحمة هذه عامة، لا تتكامل أسباب التكليف من الإنعام عليهم بنعمة العقل الذي بواسطته يعرفون الحق من الباطل، ونعمة تسخير ما في الكون ليستفيد منها أهل الأرض من الإنس والجن ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا﴾ . فتكامل أسباب التكليف في الدنيا سيكون عليه في الآخرة مدار الحساب.
وأما ما جاء في الدعاء المأثور "يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها" فقوله: "رحيمها" محمول على معنى أنه يرحم المؤمنين في الدنيا فيما أطاعوه من الإيمان به، وتنفيذ أوامره، واجتناب نواهيه، وتسهيل سبل ذلك لهم؛ ويرحمهم في الآخرة بإدخالهم الجنة جزاء ما أسلفوا من إيمان وطاعة، فطاعتهم له في الدنيا رحمة منه تعالى، وجزاؤهم بالجنة رحمة منه تعالى، وهذا معنى قوله ورحيمها والله أعلم٢.
واسم (الرحمن) يختص به الله ﷻ وحده، ولا ينبغي أن يتسمى به واحد من خلقه، شأن كل أسمائه الحسنى جميعا كما سبق أن أسلفنا، ولكن شخصا كان قد تسمى بالرحمن هو: مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب أبو ثمامة، من أهل اليمامة، لذا عرف برحمن اليمامة، وكان قد قوي أمره في اليمامة وظهر جدا بعد وفاة الرسول ﷺ، وقارعه خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصديق وانتصر عليه.
وقد زعم لقومه أنه أشرك في الأمر مع رسول الله ﷺ، وجعل يسجع لهم الأساجيع، ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: (لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشا) وأحل لهم الخمر، والزنى ووضع عنهم الصلاة. واجتمعت معه حنيفة على ذلك.
وقد كتب إلى رسول الله كتابا يقول فيه: "من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون؛ وحمل رسولان هذا الكتاب إلى رسول الله ﷺ، فقال لهما: "فما تقولان أنتما" قالا: "نقول كما قال" فقال: "أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما" ثم كتب إلى مسيلمة "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة
_________
١ تيسير العلي القدير السابق ذكره المجلد الأول ص ١٣.
٢ المرجع السابق المجلد الأول هامش ص ١٣.
45 / 93
الكذاب، السلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين". وكان ذلك في آخر سنة عشر من الهجرة ١.
وقد بين الله جهل العرب لاسم الرحمن في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا؟ وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ (الفرقان آية ٦٠) وقال المفسرون: "إنهم قالوا: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة؛ يعنون مسيلمة" ٢.
وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين أن رجلا من المسلمين كان يقول في صلاته: "يا رحمن يا رحيم" فقال له رجل من المشركين: "أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ " فأنزل الله تعالى ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ (الأعراف آية ١٨٠) .
حكى ذلك القرطبي٣ وقد ذكر اسم (الرحمن) في القرآن الكريم في مواضع مختلفة سبعا وخمسين مرة٤.
الرحيم:
هو اسم لله مشتق من الرحمة كذلك، وهو على وزن فعيل وهو من صيغ المبالغة. وقد سبق أن ذكرنا أن اسم (الرحمن) لما يتضمنه من صفة الرحمة التي تعم كافة خلقه بأن خلقهم وأوسع عليهم في أرزاقهم، فإنه أشد مبالغة من اسم (الرحيم) الذي يتضمن صفة الرحمة التي تعم عباده المؤمنين فحسب بأن هداهم إلى الإيمان في الدنيا، وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع، إذ يقول سبحانه: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب آية ٤٣) .
وقد قال الإمام ابن القيم: وأما الجمع بين الرحمن والرحيم، ففيه معنى بديع، وهو أن (الرحمن) دال على الصفة القائمة به سبحانه، و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفة (أي: صفة ذات له سبحانه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته (أي: صفة فعل له سبحانه) وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب آية ٤٣)، ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة آية ١١٧)، ولم يجيء قط رحمة بهم، فعلم أن (رحمن) هو الموصوف بالرحمة، و(رحيم) هو الراحم برحمته٥.
_________
١ تهذيب سيرة ابن هشام طبعة ثالثة ص ٦٧، ٣٧١،٣٥١،ومرجع الزجاج ص ٢٩.
٢ فتح القدير الجزء الرابع ص ٨٤.
٣ المرجع السابق الجزء الثاني ص ٢٦٨.
٤ المعجم المفهرس السابق ذكره.
٥ مرجع الزجاج ص ٢٨ وبدائع الفوائد لابن القيم الجزء الأول ص ٢٤.
45 / 94