مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز
الناشر
رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
تصانيف
أيها المسلمون:
لقد خلق الله الجن والإنس لعبادته قال الله سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (١) وقال: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (٢) وقال ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (٣)
وعن معاذ بن جبل ﵁ أنه قال: «كنت رديف النبي ﷺ على حمار فقال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قال: قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا (٤)» . رواه البخاري ومسلم.
وقد فسر العلماء ﵏ العبادة بمعان متقاربة من أجمعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ إذ يقول: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذا يدل على أن العبادة تقتضي: الانقياد التام لله تعالى، أمرا ونهيا واعتقادا وقولا وعملا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجردا من حظوظ نفسه ونوازع هواه، ليستوي في هذا الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابدا لله من خضع لربه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكده قول الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (٥) وقوله ﷾: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ (٦)
(١) سورة الذاريات الآية ٥٦ (٢) سورة الإسراء الآية ٢٣ (٣) سورة النساء الآية ٣٦ (٤) صحيح البخاري الرقاق (٦٥٠٠)، صحيح مسلم الإيمان (٣٠)، سنن الترمذي الإيمان (٢٦٤٣)، سنن أبو داود الجهاد (٢٥٥٩)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٩٦)، مسند أحمد بن حنبل (٥/٢٣٨) . (٥) سورة النساء الآية ٦٥ (٦) سورة المائدة الآية ٥٠
1 / 73