مجموع فتاوى ومقالات متنوعة - ابن باز
الناشر
رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية
تصانيف
عليه مات كافرا لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأمره إلى الله ﷿ في الآخرة إن كان ممن لم تبلغه الدعوة فله حكم أهل الفترة، ويدل على ذلك: ما جرى لأم النبي ﷺ فإنها ما كانت أدركت النبوة وكانت على دين قومها، واستأذن النبي ﷺ ربه أن يستغفر لها، فلم يؤذن له أن يستغفر لها؛ لأنها كانت على دين الجاهلية، وهكذا أبوه قال عنه ﷺ لما سأله سائل عن أبيه: «إن أبي وأباك في النار (١)» وأبوه ﷺ مات في الجاهلية على دين قومه فصار حكمه حكم الكفار، لكن من لم تبلغه الدعوة في الدنيا، ومات على جهل بالحق يمتحن يوم القيامة في أصح أقوال أهل العلم فإن نجح دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.
وهكذا جميع أهل الفترات الذين لم تبلغهم الدعوة، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (٢)
أما من بلغه القرآن أو بعثة الرسول ﷺ فلم يستجب فقد قامت عليه الحجة، كما قال الله ﷿: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ (٣) يعني: أن من بلغه القرآن فقد أنذر.
وقال تعالى: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾ (٤) فمن بلغه القرآن وبلغه الإسلام، ثم لم يدخل فيه فله حكم الكفرة، وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (٥)» خرجه مسلم في الصحيح. فجعل سماعه ببعثة النبي ﷺ حجة عليه.
والحاصل: أن من أظهر الكفر في ديار الإسلام حكمه حكم الكفرة، أما كونه يوم القيامة ينجو أو لا ينجو فهذا إلى الله ﷾، إن كان ممن لم تبلغه الدعوة ولم يسمع ببعثة الرسول ﷺ فإنه يمتحن يوم القيامة
_________
(١) صحيح مسلم الإيمان (٢٠٣)، سنن أبو داود السنة (٤٧١٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/١١٩) .
(٢) سورة الإسراء الآية ١٥
(٣) سورة الأنعام الآية ١٩
(٤) سورة إبراهيم الآية ٥٢
(٥) صحيح مسلم الإيمان (١٥٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/٣٥٠) .
1 / 50