مهزومة مكسورة، وهم في سبيل الله لأعدائه يجاهدون، إلى أن مضى كل منهم إلى السبيل، وانقضى ذلك الجيل، فوقع التغيير في الدين والتبديل، بظهور القوم الذين أخبر الصادق أنهم من الذين يمرقون، وعمَّت الفتن، وكثرت أنصارها، وطمت المحن، وربت أصهارها، وتمت على ذلك الأعصار أعصارها ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَليْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ (فاطر:٨) وعمرت البدع، وشيدت ربوعها، وأسست أصولها، فامتدت فروعها، وحلَّت بكل ناحية من الأمصار جموعها ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ (الأنعام:١٥٩) فما برحت شبه البدع في القلوب دابَّة، ونار الأهواء مضرمة شابَّة، وعواصف الضلال على من أراد الله تعالى خذلانه هابَّة ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ ليَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (الزخرف:٣٦-٣٧) حتى مضى سادس القرون، فتفاقم الأمر والحال، وتعاظم التعصب للباطل والمحال، وتراكم سحاب المراء والجدال، ولكن طائفة الحق منصورة لا تزال، فليسوا على الضلالة يجتمعون ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام: من الآية ١٠٨) فما زالت في ازدياد تلك الدعوى، وفي اتقاد تلك البدع والأهواء (١)، إلى منتصف القرن الثاني عشر الذي جلت فيه البلوى، وحلت البدع فيه والشرك عرى التوحيد والتقوى، والأكثر فيه متمسك من ملة آبائه بالسبب الأقوى ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ
_________
(١) في المخطوط (الأهواء) والصواب ما أثبتناه.
1 / 23