العناية شرح الهداية

البابرتي ت. 786 هجري
46

العناية شرح الهداية

الناشر

شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣٨٩ هـ = ١٩٧٠ م

مكان النشر

لبنان

(وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) لِأَنَّهُ فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا فِي الِاسْتِرْخَاءِ، وَالْإِغْمَاءِ حَدَثٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي النَّوْمِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالْأَثَرِ، وَالْإِغْمَاءُ فَوْقَهُ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ ــ [العناية] أُجِيبَ بِأَنَّ أَبَا الْعَالِيَةِ ثِقَةٌ نَقَلَ عَنْهُ الثِّقَاتُ كَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيِّ ﵏، وَكَوْنُهُ لَا يُبَالِي عَمَّنْ أَخَذَ يُؤَثِّرُ فِي مَرَاسِيلِهِ دُونَ مَسَانِيدِهِ، وَقَدْ أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ نَفْيُ الْوُضُوءِ عَمَّنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا. وَالثَّانِي: إثْبَاتُهُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا مُؤَكَّدًا بِإِنَّمَا. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا لِلْحَصْرِ وَلَا حَصْرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَنْحَصِرْ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَّكِئِ كَمَا مَرَّ وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لِلْحَصْرِ بَلْ هُوَ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَصِيغَتُهُ أَفَادَتْ الْحَصْرَ فِي الْمُضْطَجِعِ وَالْمُتَّكِئِ، وَالْمُسْتَنِدُ يَلْحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ. وَالثَّالِثُ التَّعْلِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا لِعَدَمِ الِاسْتِرْخَاءِ، وَعَلَى وُجُوبِهِ عَلَى الْمُضْطَجِعِ وَمَنْ هُوَ بِمَعْنَاهُ لِوُجُودِهِ فِيهِ. قِيلَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ «اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ»: بَلَغَ الِاسْتِرْخَاءُ غَايَتَهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الِاسْتِرْخَاءِ يُوجَدُ فِيمَنْ نَامَ قَائِمًا، فَحِينَئِذٍ يَتَنَاقَضُ أَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ. وَرُبَّمَا يُشِيرُ إلَى هَذَا قَوْلُهُ: مَنْ قِيلَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الِاسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِرْخَاءُ. . قَالَ (وَالْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ بِالْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونُ) وَالْجُنُونُ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ وَالْغَلَبَةُ، وَالْجَرُّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الْإِغْمَاءِ مَغْلُوبٌ وَفِي الْجُنُونِ مَسْلُوبٌ، وَلِهَذَا جَازَ الْإِغْمَاءُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ دُونَ الْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءُ ضَرْبُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقُوَى وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا، وَسَبَبُهُ امْتِلَاءُ بُطُونِ الدِّمَاغِ مِنْ بَلْغَمٍ غَلِيظٍ بَارِدٍ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَالْجُنُونِ (فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا فِي الِاسْتِرْخَاءِ)؛ لِأَنَّ النَّائِمَ يَتَنَبَّهُ بِالتَّنَبُّهِ دُونَهُمَا (وَالْإِغْمَاءُ حَدَثٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا) يَعْنِي حَالَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِوُجُودِ الِاسْتِرْخَاءِ، وَهُوَ

1 / 50