العناية شرح الهداية
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٨٩ هجري
مكان النشر
لبنان
تصانيف
الفقه الحنفي
كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. وَقِيلَ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ لَهُمَا بَصَارَةٌ فِي أَمْرِ الْمَاءِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ.
قَالَ (وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً أَوْ غَيْرَهَا وَلَا يُدْرَى مَتَى وَقَعَتْ وَلَمْ تَنْتَفِخْ وَلَمْ تَنْفَسِخْ أَعَادُوا صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانُوا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَغَسَلُوا كُلَّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مَاؤُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْتَفَخَتْ أَوْ تَفَسَّخَتْ أَعَادُوا صَلَاةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. وَقَالَا: لَيْسَ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ شَيْءٍ حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَتْ) لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَصَارَ كَمَنْ
ــ
[العناية]
مُتَفَاوِتَةٌ وَالنَّزْحُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْعَجْزُ أَمْرٌ صَحِيحٌ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ دَأْبُهُ) أَيْ عَادَتُهُ، فَإِنَّ عَادَتَهُ أَنْ يُفَوِّضَ مِثْلَ هَذَا إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ وَكَمَا فِي حَبْسِ الْغَرِيمِ وَحَدِّ التَّقَادُمِ.
وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُسْتَنْبَطِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ هُوَ الْمَرْجِعُ فِيمَا لَمْ يَشْتَهِرْ مِنْ الشَّرْعِ فِيهِ تَقْدِيرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] كَمَا فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ حَيْثُ قَالَ ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٩٥] وَالشَّهَادَةُ حَيْثُ قَالَ ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] وَشَرْطُ الْبِصَارَةِ لَهُمَا فِي أَمْرِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِهَا لِيَدْخُلَا تَحْتَ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ: أَيْ الْأَخْذُ بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ.
قَالَ: (وَإِنْ وَجَدُوا فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً أَوْ غَيْرَهَا) كَلَامُهُ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ) بَيَانُهُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي نَجَاسَتِهِ فِيمَا مَضَى، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَلَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ إلَّا زَمَانَ التَّيَقُّنِ بِوُقُوعِ النَّجِسِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ يَزُولُ بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَمَنْ رَأَى
1 / 106