هذه أمثلة من أشكال الحروف وعلاقتها بالأخلاق يصح أن تتخذ مثالا لما لم نذكره منها. ولا يبرح من ذهن القارئ اللبيب أن لكل قاعدة استثناء.
فراسة المشي والقامة
يختلف الناس في مشيهم وإشاراتهم اختلافا بينا، ولا بد لهذا الاختلاف من أسباب متصلة بقواهم ومواهبهم، فلا غرو إذا استدلوا على صفات الشخص من مشيته أو إشاراته.
ومن وسائل الاستدلال ما قد يستخف به كالثياب والطربوش أو القبعة والحذاء وهي ينبوع إرشاد لدقيق النظر، وقد نستطلع أخلاق الشخص من مجرد ملاحظتنا تمشيط شعره وهيئة يديه وإشاراته وجلوسه ووقوفه وانحنائه في السلام أو هز اليد أو من اعتنائه بثيابه أو قلة اعتنائه بها، ومن نظافة حذائه، ومن خطابه لرؤسائه أو أمثاله أو مرءوسيه أو أصدقائه.
ويستطيع النساء من ذلك ما لا يستطيعه الرجال؛ لأنهن يحكمن لأول وهلة بالبداهة على أخلاق الشخص بمجرد النظر إلى حركاته وسكناته وقيامه وجلوسه وتكلمه وسكوته وطبقات صوته ونحو ذلك.
المشي:
إذا رأينا رجلا يمشي منتصبا على عادته في المشي وخطواته ثابتة عرفنا أنه ذو ثبات وحزم، فإذا كان لخطوه وقع شديد كان ممن يحبون السيادة والاستقلال ولا يهتمون بالآخرين ولا بما يرونه فيهم.
والصخب - وهو ارتفاع الصوت وشدته - يدل على الميل إلى السرعة والاستقلال، وأصحابه لا يهمهم راحة الغير وإنما يسألون عن راحتهم فقط.
ومن الناس من يغلب فيهم الهدوء والسكينة، فإذا حدثته أقبل عليك بلطف ولباقة، ومشيته نشيطة بلا اختيال أو تبختر، حتى لا يكاد يسمع لوضع أقدامه صوت؛ فالرجل رقيق الجانب يحاذر إزعاج الناس سهل الخلق قريب القياد، ولا يعتد بآرائه ولا يعجب بنفسه.
ولوضع الرأس في أثناء المشي دلالة، وفي حدب الكتفين مغزى، فمن كان شأنه التأمل وإعمال الفكرة يظل مطرقا في الأرض، ومن لم يكن دقيقا في ملاحظة الأمور أو الاستفادة منها مع ميله إلى إخفاء مواهبه فهو كبير الدعوى ضعيف الحجة مكابرا متعنتا، وإذا خلا بنفسه ظهر له المستقبل بجميع أحواله، ومن هذا الصنف من الناس من يكون أبدا حزينا منكسر النفس في داخله.
صفحة غير معروفة