فراسة المهن والصناعات
إذا صح أن الخلق الظاهر يدل على الخلق الباطن وكان بين الخلقين تناسب ثابت كما هو مقتضى علم الفراسة، وجب أن تكون ظواهر أهل المهنة الواحدة أو الصناعة الواحدة متشابهة؛ لأن بواطنهم متشابهة؛ لانشغالهم في أشغال متشابهة في مهنة واحدة، فالكتاب يجب أن يشبه بعضهم بعضا بما يشتركون فيه من الظواهر الدالة على ملكة الكتابة، ومثل ذلك القواد والمكتشفون وغيرهم.
ولكنك قلما ترى تلك المشابهة تامة ولا هي تحدث دائما؛ والسبب في ذلك - عدا ما قدمناه في باب «هل تصدق الفراسة دائما» - أن بعض المهن تقتضي من المواهب مثل ما تقضيه بعض المهن الأخرى وإن كانت بعيدة عنها بحسب الظاهر، فالقيادة في الحرب تقتضي سعة الجبهة وعرض الرأس، وتقتضيهما أيضا خدمة المصالح الدينية وهي القيادة الدينية، فلا غرو إذا تشابه خدمة الدين وقواد الحرب في ظواهر رءوسهم.
وزد على ذلك أن اختيار الناس للمصالح التي يتعاطونها قلما يقع طبقا لما فطروا عليه؛ فقد يولد الغلام وفيه استعداد للرياضيات فيربيه والده تربية القسوسية أو يدخله في الجندية، وقد يولد مفطورا على تجارة فيعلمه أبوه صناعة الطب، وقد ينشأ المرء وفيه ميل إلى صناعة من الصنائع ثم يرى بعين العقل إن اشتغاله بتلك الصناعة لا يكسبه كثيرا أو لا يوافق حالا من أحواله فيحول ذهنه إلى صناعة أخرى ويعود نفسه عليها.
فإذا كان قوي العقل قوي الإرادة يفوز في أي مهنة تعاطاها وإن تكن ليست هي المهنة التي خلق لأجلها، ولهذا السبب ترى بين أهل المهنة الواحدة أناسا تدل فراسة وجوههم على أنهم من أهل مهنة أخرى.
فكم من شبان ينشئون وفيهم ملكة الشعر فإذا شبوا ورأوا كساد هذه الصناعة عدلوا عنها إلى ما يكتسبون به معاشهم كالتجارة أو الصناعة أو نحوهما، وقس على ذلك حال كثيرين من رجال الموسيقى وغيرها.
وترى في الشكل
1
صورة الجنرال بطلر القائد الحربي الشهير وبازائه شكل
2
صفحة غير معروفة