أما إذا كان محيط الرأس أقل من 22 وربع قيراط وكانت سائر قياساته التي تمر فوق قمته أقصر مما هي فيستدل على اشتداد وحدة في الخلق، فإذا اعتبرنا محيط الرأس 22 وربع قيراط قاعدة لقياساته من الخلف البالغة من 13 وربع قيراط إلى 14 قيراطا فقط وكان محيطه 5,5 إلى 5,875 القيراط نستدل بذلك على العظمة والإعجاب بالذات والكبرياء، أما إذا كان القياس 15 قيراطا أو أكثر وكان نصف المحيط 6 وربع قيراط أو أطول من ذلك فيستدل به على قوة الجهاز العضلي وتسلط الإرادة وثباتها، وذلك جميعه بالنسبة إلى بقية الأعضاء الطبيعية وحيويتها، وهم يعتمدون هذه الأنساب في تجاربهم، ويقتضي في كل الأحوال ملاحظتها لمعرفة قوى العقل وجواهر مواده من جهة الحدة وعدمها، فلا بد من مقابلتها بالأقيسة الأخرى للحكم على القوى العاقلة في شخص دون آخر، فإذا درسنا هذه الأقيسة درسا جيدا استغنينا عن إجرائها فيما بعد في الفحص الجمجمي إلا قليلا، فنكتفي بالنظر فنعرف قوى الدماغ بسهولة.
وبناء على ما تقدم فللدماغ ثلاث خاصيات أصلية أو أمزجة، كل واحدة منها ناتجة عن قوة مستقرة فيه تؤثر على الجسم، ومعظمها ناتج من الوراثة التي لها دخل عظيم في الأخلاق والخاصيات والأمزجة المتقدم ذكرها ، فتكتسب منها عدة تنوعات، وبواسطة التربية والتعليم والاكتساب تزداد قوة وترقية، وهكذا لكل قوة من قوى الدماغ علاقة أصلية طبيعية وتأثيرات خاصة لا تنفك عن توافق الجسم وأعضائه المختلفة في أعمالها.
القوى العاقلة وتلافيف الدماغ:
حسبوا للدماغ الإنساني اثنتي عشرة قوة رئيسية وأربعة وعشرين قوة تابعة، فجملة القوى 36، لكل منها مركز خاص في بعض تلافيف الدماغ، وإليك رسم التلافيف حسب أوضاعها الطبيعية، مع الإشارة إلى اختصاص كل منها بقوة من القوى انظر الشكل
2 .
شكل 2: تلافيف الدماغ وقواه.
فإذا تأملت الرسم المشار إليه اتضح لك رأي الفرينولوجيين في مراكز القوى العاقلة من الدماغ، ولكنك تراهم يخلطون القوى بالأميال أو العواطف، فهي عندهم بمنزلة واحدة؛ لأنها كلها من أعمال الدماغ، كالإصلاح والإبلاغ والأمانة والمحبة والرجاء والأمل والثبات ومحبة الأوطان والعبادة ونحو ذلك، ولا بد من درسها وتفهمها لتغرس في الذهن أوضاعها بعضها بالنسبة إلى بعض، وقد شبهوها بالخارطة الجغرافية، فمن يدرسها كأنه يدرس تقويم مملكة من الممالك، فهي تحتاج إلى حفظ أكثر مما إلى فهم، ويزعم أصحاب هذا الفن أن من يدرس خارطة الدماغ يسهل عليه معرفة أخلاق أصدقائه ومعارفه بالنظر إلى أدمغتهم، ويميزون جغرافية الدماغ عن جغرافية الأرض بأن مواضع القوى الدماغية غير مستقل بعضها عن بعض استقلالا تاما، ولكنها تشترك في كثير من أعمالها.
والاستاذ سيفارتا صاحب هذا الرأي، وإليه ينسب هذا الرسم، قد قسم مادة الدماغ إلى ثلاث مراتب، وقسم القوى العاقلة إلى ثلاث أخرى، يحسن تتبعها ودرسها بمراجعة تفاصيل هذا الفن في كتبه مما يضيق عنه هذا المقام؛ لأن الغرض من هذه العجالة ذكر خلاصة آراء الفرينولوجيين وقواعد علم الفرينولوجيا، فعندهم كما تقدم أن للدماغ 36 قوة، لكل منها مركز في تلافيف الدماغ خاص به. ولكنك إذا تأملتها جيدا وتدبرت نسب تلك القوى بعضها ببعض رأيت بينها علائق تتقارب بنسبة تقارب مواضعها، حتى قد يتألف منها مجاميع تشترك بالجوهر، فالتي في جانب الرأس مثلا يختص أكثرها بالهيئة الاجتماعية والمعاشرة، والتي في أعلى الرأس ومقدمه يجمعها التعقل والتدبير والحكمة، وهي القوى العاقلة الحقيقية، وأما القوى المختصة بالأميال والإرادة والحركة فمقرها في قفا الرأس أو مؤخره، وترى بين التلافيف فواصل هي حدود أماكن تلك القوى، وبعبارة أخرى هي الفواصل بين التلافيف ولكن بينها اتصالات بمجار دقيقة أو خيوط عصبية تنتقل بها التأثرات بين التلافيف ثم إلى الأعصاب والحواس فتظهر للعالم الخارجي.
فكل فكر يحدثه الدماغ يتألف من سلسلة حركات عصبية، أولها حدوث الشعور بواسطة إحدى الحواس الخمس التي تنشأ أعصابها في قاعدة الدماغ، فيحدث الشعور بالصور الذهنية، ثم ينتقل التأثير إلى مقدم الدماغ في النصفين الكرويين، وهناك يحدث الحكم على تلك الصورة وتصدر الإرادة بشأنها، فينتقل ذلك إلى مراكز الحركة في أسفل المخ فتحدث الحركة، هذا هو نظام العمل الدماغي العمومي، ولكن كثيرا من أعمالنا العقلية تنتقل من مراكز الحس في قاعدة الدماغ إلى أسفل المخ رأسا؛ أي من الشعور إلى الحركة بدون عرضها على القوى الحاكمة والإرادة في مقدمة الدماغ، فتحدث أعمالا اضطرارية لا يستطيع الإنسان كبح جماحها، كالضحك والبكاء والدهشة ونحو ذلك، فقد يضحك الإنسان وهو يريد ألا يضحك، ولو خضعت عضلاته المضحكة لإرادته لما ضحك، ولكن التأثير الذي أحدث الضحك لم يعرض على القوة الحاكمة في مقدم الدماغ، بل انتقل رأسا إلى مراكز الحركة فحركت العضلات المحدثة للضحك، ولم يعلم العقل به إلا بعد حدوثه، والسبب في ذلك الانتقال السريع رأسا أن في قاعدة الدماغ عقدا عصبية شديدة الحساسة غير خاضعة للإرادة، وهي كبيرة في الحيوانات وخصوصا الأسماك، وبواسطة هذه العقد تحدث الأفعال السليقية في الحيوان مما لا محل لتفصيله هنا.
علاقة قوى الدماغ بعضلات الوجه:
صفحة غير معروفة