وعندهم أن لكل قوة من هذه القوى مركزا خاصا، ولكل عقدة من العقد العصبية عملا خاصا، وجميع هذه القوى محكمة الوضع متناسبة التركيب بأليافها وكرياتها، وتصدر أفعالها الخاصة بترتيب ونظام، ويعللون أعمالها باختلاف أحجامها وأوضاعها من القرب والبعد وأشكال تركيبها، فتصدر الأفعال عنها، فتتأثر منها عظام الجمجمة الخاضعة لناموس التغذية والنمو، فيحدث عن ذلك تغيير في العظم يوافق التفاعل الذي يتم بين أجزائها وجواهرها الفردة المتوقف عليه الناموس الحيوي الطبيعي، فينتج ارتفاعا أو بروزا أو انخفاضا يظهر تحت الجس يعينون به درجات القوى العقلية، ويقولون أن مصدر هذه الأفعال كتلة الدماغ والعقد العصبية المؤلف أكثرها من المادة البيضاء والمادة السنجابية، ومع كل هذه التعليلات لم تثبت أقوالهم بالبراهين العلمية الدامغة، ولا نعلم كيف يثبتون أن الذاكرة في التلفيف الفلاني والتصور في العقدة الفلانية والتجارب التشريحية التي أجروها في الدماغ حتى الآن لم تثبت مدعاهم، وهب أنهم عرفوا مواقع بعضها فكيف اتصلت هذه القوى المختلفة إلى ظاهر العظام؟ فهم لا يزالون قاصرين عن إيراد البراهين المثبتة لما يزعمونه في فحص قوى الدماغ المختلفة وما يختص بالقوى العقلية، ومع ذلك فقد بنوا علمهم على الاختبار والاستقراء مع الإسناد إلى تشريح المقابلة، فانتشر حتى أصبح بعضهم يعتمده كل الاعتماد، وأخذ كثيرون منهم يلقون الخطب الرنانة على المنابر ينادون برسوخ قواعده، ولكن براهينهم لم تقنع أبناء العلم الصحيح المتضلعين في العلوم الطبية والتشريحية. ولهؤلاء اعتراضات وردود لا يسمح المقام بذكرها، وأما طريقة الفرينولوجيين في استطلاع الأخلاق والقوى بقياس الرأس فهي أنهم يقيسون الرءوس والجماجم، كما يأتي انظر شكل
1 .
شكل 1: أقيسة محيط الرأس.
قياس الرأس:
أولا: يقيسون محيط الرأس بخط يبتدئ من نقطة متوسطة بين بروزي العظم الجبهي ويمتد حول العظمين الجداريين إلى نقطة متوسطة على العظم المؤخري، فإذا بلغ طول ذلك الخط تسعة عشر قيراطا ونصف قيراط كان الرأس صغير الحجم، وإذا كان 21 قيراطا فهو متوسط، وإذا بلغ 22 وربعا كان عريضا، وإذا كان 24 قيراطا فهو كبير جدا. ويقاس محيط الرأس أيضا من جانب واحد بخط يمتد من منتصف الجبهة على خط أفقي مستقيم إلى مؤخر الرأس، فإذا بلغ طول هذا الخط على جانب واحد 7 وربع قيراط سموه صغيرا، وخصوصا إذا كان الرأس ضيقا في الجانبين، وإذا كان 7,75 قيراط سموه متوسطا، وإذا كان 8,125 قيراط فعريضا أو كبيرا، وإذا كان 8,375 القيراط فعريضا أو كبيرا جدا.
ثانيا: تقاس الجمجمة أو الرأس من نقطة ترسم مقابل فتحة صماخ الأذن الواحدة بخط يقاطع جسر الجمجمة مارا إلى الأعلى أمام اليافوخ الخلفي؛ أي عند ملتقى العظمين الجداريين المكونين الدرز السهمي إلى الوراء قليلا، ويمتد إلى نقطة أمام فتحة صماخ الأذن الأخرى على الجانب المقابل، فإذا وجد القياس 14 ونصف قيراط سموه كبيرا، أو 14 قيراطا سموه متوسطا، أو 13 ونصف قيراط عدوه صغيرا، وقس على ذلك سائر الخطوط والدوائر التي تراها في الشكل
1 .
ويعتبرون القياسات المار ذكرها مهمة جدا كسائر أقيسة الرأس؛ لأنهم يحكمون بواسطتها على القوى العقلية من حيث جودتها وعدمها، ويلاحظون دائما عرض الجبهة وجانبي الوجه ومؤخر الرأس والفسحات بين هذه الأقسام التي يتمكنون بها من معرفة قوى الدماغ والمادة العصبية، فلو وجدنا مثلا أن قياس محيط الرأس 22 ونصف قيراط، وكان قياس الجبهة 13 وربع قيراط، أو 13 وثلاثة أرباع قيراط، فلا يكون ذلك دليلا على حدة العقل، أما إذا وجدنا قياس الجبهة 14 وربع قيراط أو أكثر فنستدل على قوة العقل، وهكذا إذا كان حجم الرأس أصغر من ذلك بالنسبة إلى حجم الجبهة.
أما الجبهة الضيقة المستطيلة فتدل على اعتدال في حدة التصور وشدة الانتباه والإلهام والتودد والعشق وتمييز الألوان والتعقل والترتيب والتهذيب.
والجبهة العريضة المرتفعة تدل غالبا على الاقتدار العقلي والذكاء وسهولة اكتساب اللغات والخوض بمواضيع عالية وذكر الحوادث وحفظ الأرقام والأعداد والمحال وقوة التبليغ والتعبير عن الأفكار ، فإذا قست من جانب الرأس إلى جانبه المقابل مارا على القحف فبلغ 22,125 قيراط تستدل به على قوة العواطف النفسية وكثرة الحب أو قلته أو سرعة الميل، أما إذا وجدنا القياس من الأذن إلى الأذن المقابلة يبلغ 13 ونصفا، أو 13 وربعا، بحيث يمر على اليافوخ عند ملتقى العظم المؤخري بالجداريين نستدل على ضعف القوى الحيوية والخلق، فصاحبه قليل الصبر ضيق الأخلاق. خلافا لمن يبلغ القياس فيه 14 وربعا، أو 15 ونصف قيراط، فإن الجهاز الهضمي فيه قوي والأخلاق رضية، وهو صبور كثير التأني، فإذا كان جانب الرأس عريضا واطيا بحيث يبلغ معظم قياسه 5,875 القيراط، أو كان أقل من ذلك علوا تكون القوى الدماغية في جانب الرأس متسعة وفي قمته أقل اتساعا، وبالعكس؛ أي إذا كان جانب الرأس ضيق المساحة عاليا.
صفحة غير معروفة