وبين الحق والواجب نسبة متينة لا يمكن نفيها؛ لأنه بنفيها ينتفي كل من الحق والواجب أنفسهما - هي نسبية كنسبة الإيجاب والسلب، أو الدفع والجذب أو الأخذ والعطاء - فإذا كان هناك آخذ فلا بد أن يكون ثمة معط. وليس الأمر هكذا فقط، بل إذا أخذ الآخذ شيئا فلا بد أن يعطي شيئا آخر مكافئا له، فيأخذ المعطي الشيء في مقابل ما أعطى؛ أي إن كل شخص آخذ ومعط، فإذن توجد نسبتان: نسبة بين الشخصين المتبادلين، ونسبة أخرى بين الأمرين المتبادلين؛ ولهذا قلنا: إن هذه النسبة مزدوجة بين الحق والواجب، تجعل ارتباطهما متينا جدا بحيث يستحيل انفكاكهما، وفي الوقت نفسه تضمن التوازن بين الجانبين.
فكل حق يجلب معه واجبا على صاحبه، كما أن كل واجب يخول حقا لمن فرض عليه هذا الواجب.
وطرفا الحق والواجب هما: الفرد والمجتمع؛ لأن النسبة التي بينهما كما عرفتها آنفا هي أساس نسبة الحق والواجب، أي إن المجتمع مسئول عن الحقوق التي للفرد، كما أن الواجبات على الفرد مفروضة عليه من قبل المجتمع. وأما الحقوق والواجبات التي بين الأفراد فثانوية في الأهمية. (2-3) الحقوق والواجبات الشرعية والأدبية
ثم (1) إن من هذه الحقوق والواجبات الثانوية في الأهمية ما هو شرعي؛ أي إنه ينفذ بقوة النظام الاجتماعي «الحكومة»؛ لأنه لم يصبح عادة يأتيها الناس اختيارا، ولا بد من تنفيذه لأنه ضروري لحياة المجتمع ورقيه. ومعظم هذا الضرب من الحقوق والواجبات هو ما يخص العلاقة بين الأفراد، وعليه يتوقف حفظ الأمن، والسلامة من الفوضى، والحرص على جري النظام في مجراه. (2) منها ما هو أدبي يترك أمر تنفيذه لأدبية النفس الراقية، ومعظمه يخص العلاقة بين الفرد والمجتمع؛ ولهذا تسوهل فيه لقلة الخطر من التساهل.
مثال ذلك أن الشريعة تحمي الملكية وتعاقب من يتعدى على ملك غيره، ولكنها لا توجب على صاحب الملك أن يستعمل ملكه بحكمة بحيث يئول لنفع المجتمع؛ فالفرد حر قانونا أن يستعمل ملكه كما يشاء، ولكنه أدبيا ليس حرا في ذلك، بل عليه أن يستعمله بالأسلوب الذي يفيد المجتمع، أو لا يضر به على الأقل.
فليس للغني أن يبدد أمواله في اللهو والبذخ الخليع والفحش ونحو ذلك؛ لأنه يكون حينئذ مرضا في جسم المجتمع، كذلك ليس للتاجر الذي قضت الأحوال بأن يقع في قبضته وحدها صنف من السلع أن يحبس هذا الصنف عن الناس لكي يتسنى له أن يضاعف الثمن، مع أن الموجود منه يزيد على المطلوب، ولا يحق لصاحب القدر الكبير من الأراضي أن يعطل بعضها لكي يتسنى له أن يرفع أجرة البعض الآخر.
إذن حقوق الإنسان تقتصر على الأشياء التي يصح لأجل خير المجموع العام أن يمتلكها. ولأنه يمتلكها على هذا الاعتبار هو ملزم أدبيا أن يستخدمها لأجل الخير العام، فالإنسان بحد ذاته ليس له من حق بتاتا، وإنما لأنه جزء من المجتمع هو ذو حق فقط بما يستطيع أن يستعمله بأسلوب يتفق مع الخير العام. فإذن الحقوق هي منح من المجتمع للفرد؛ ولذلك ليس للفرد مطلقا الحرية في التصرف فيها.
وفيما يلي أهم الحقوق الرئيسية التي تتمثل للذهن قبل الواجبات التي تصحبها أو تلازمها.
الفصل الثالث
الحقوق والواجبات الشخصية
صفحة غير معروفة